عجب (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) دنيا وآخرة ، والمراد بالمحسنين هنا الذين عملوا وثابروا وصبروا على الصعوبات ، وقد يهزمهم المسيئون الأشرار مرة أو مرات ، ولكن العاقبة للمتقين ، والشواهد على ذلك لا تقع تحت حصر من عهد النمرود الى عهد هتلر .. وقد ابتليت الانسانية اليوم بالصهيونية المتجسمة باسرائيل ، وبالاستعمار الجديد بقيادة الولايات المتحدة أعتى عتاة الشر والفساد في هذا العصر .. ولسنا نشك إطلاقا في ان مصير الاثنتين هو مصير كل طاغ وباغ سابق ولا حق .. ولا نقول هذا لمجرد التعبير عما نحب ونرغب .. كلا ، فإنه منطق طبيعي لتطور الحياة والتاريخ .. ان للحق أهلا يطالبون به ، ويضحون من اجله ، وان للخير قوى تناصره وتؤازره ، وستتحد في يوم من الأيام ضد الظلم والطغيان ، وتدور الدائرة على اهله وأنصاره.
(قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ). اعترفوا بأن الله فضله عليهم علما وعقلا ، وكمالا وجمالا ، وأخيرا بالجاه والسلطان .. وأقروا بالذنب ، وطلبوا العفو والصفح ، ويوسف كريم وابن كريم ولذا (قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) عفى يوسف عما مضى بلا تعنيف وتأنيب ، ودعا الله ان يغفر لهم ما فرط منهم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لمن تاب وأناب. وفي نهج البلاغة ، «لا يشغله غضب عن رحمة ، ولا تلهه رحمة عن عقاب» وتواتر عن النبي الأعظم (ص) انه حين فتح مكة قال لقريش : ما تظنون اني فاعل بكم؟ قالوا : نظن خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء لا تثريب عليكم اليوم كما قال اخي يوسف.
(اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ). وتعود بنا هذه الآية الى الآية ١٧ وهي : «قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب .. وجاءوا على قميصه بدم كذب ..». نعود الى هذه الآية لنقارن بين القميص الأول والقميص الثاني ، فالأول جر على يعقوب البلاء والأدواء ، أما الثاني ففيه الشفاء والهناء ، ونقارن ايضا بين موقف ابنائه حين جاءوه بالقميص الأول معزين ، وموقفهم حين أتوه بالثاني مهنئين.
وإذا سأل سائل : كيف يكون إلقاء القميص على البصر سببا لشفائه؟ أجبنا