المعنى :
(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ). فصلت العير اي تحركت من المكان الذي كانت فيه ، وهو مصر ، واتجهت الى أرض كنعان حيث يسكن يعقوب : وتفندون تنسبونني الى الفند ، وهو الخرف .. وظاهر الآية يدل على ان يعقوب شم رائحة القميص من مكان بعيد ، وبمجرد ان تحرك الركب من مكانه ، وقبل ان يتجاوز أرض مصر ، مع ان المسافة بين يعقوب وحامل القميص كانت مسيرة ثمانية أيام ، وقيل : عشرة .. وأبقى المفسرون اللفظ على ظاهره ، وقالوا : ان يعقوب وجد ريح القميص حقيقة على الرغم من بعد المسافة عنه ، واعتبروا ذلك معجزة خص الله بها يعقوب.
وغير بعيد أن يكون الريح كناية عن الحدس المصيب الذي يقع للإنسان في بعض الأحيان بخاصة لأهل القلوب الطيبة الصافية ، وان يعقوب قد أحس قلبه بدنو اللقاء ، فعبّر عنه بريح يوسف ، ويرجح ارادة هذا المعنى ان اليأس من لقاء يوسف ما خامر قلب يعقوب لحظة واحدة ، ويشهد على ذلك قوله : فتحسسوا من يوسف وأخيه. وقوله : عسى أن يأتيني بهم جميعا. وقوله ليوسف : يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك .. وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك. وقوله : اني اعلم من الله ما لا تعلمون.
(قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ). ضمير قالوا يعود الى من كان حاضرا في مجلس يعقوب حين قال : أجد ريح يوسف ، والمعنى ان الذين حضروا مجلس يعقوب قالوا له : أنت مخطئ في إصرارك وانتظارك يوسف الذي ذهب كما ذهب غيره من الأموات. (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) .. وما كان يعقوب مخطئا في حدسه ، فلقد جاء البشير يحمل قميص يوسف ، وما ان مس وجه يعقوب ، حتى عادت اليه نعمة البصر ، وسعادة الحياة ، وقيل : ان الذي حمل هذا القميص هو الذي حمل القميص الملطخ بدم كذب قبل أربعين سنة ، ليمحو السيئة بالحسنة ، وأيضا قيل لا عجب ان يرتد بصر يعقوب بمجرد البشرى «فكثيرا ما شفى السرور والفرح من الأمراض ، وتجارب الطب شاهد صدق على ذلك».
(قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ). يشير الى قوله في الآية