الثاني ص ٣٢٤ ، ومجملا عند تفسير الآيات التي اشتملت على ذكر الشيطان .. ونعود هنا الى الموضوع بقول أجمع وأوسع ، لأن الآية التي نحن بصددها من أوضح الآيات دلالة على وجود الشيطان ، وانه حقيقة ثابتة ، وان لم تتعرض الى كنهه وهويته ، وفيما يلي نعرض الجهات التي تتصل بهذه الآية :
١ ـ ذكر الله سبحانه في كتابه العزيز الشيطان بعبارات شتى ، فتارة يقول عز من قائل : ان الشياطين من نوع الانس والجن كما في الآية ١١٢ من سورة الأنعام : «شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول». وتومئ هذه الآية الى ان كل قول ظاهره الرحمة وباطنه فيه العذاب فهو من عمل الشيطان أيا كان قائله. وتارة يقول : ان للشيطان جنودا وقبيلا كما في الآية ٩٥ من سورة الشعراء : «وجنود إبليس أجمعون». والآية ٢٦ من سورة الأعراف : «انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم» وتدل هذه الآية ان الشياطين لا يحصى لهم عد ، وانهم ليسوا من الأشياء التي ترى بالعين ، وتلمس باليد. وثالثا يقول : ان للشيطان قرناء وأولياء كما في الآية ٣٨ من سورة النساء : «ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا» وفي الآية ٧٥ من سورة النساء : «فقاتلوا أولياء الشيطان» وهذا اللفظ بمفرده يدل على ان قتال الزائغين وجهادهم فرض وحتم ، حتى ولو كانوا «مسلمين». ورابعا يقول جلت حكمته وكلمته : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) ـ ٢٢٢ الشعراء» وتدل هذه الآية ان الشياطين هم الكذابون الأفاكون.
أما وظيفة الشيطان وجنوده كما حددها القرآن فهي الإضلال والإغواء للصد عن سبيل الحق والخير ، لا بالجبر والإكراه ، بل بالوسوسة والتزيين ، وبالإغواء والتمويه .. ومن أجل هذا قلنا ونكرر القول : ان أي شيء يزين للإنسان عمل السوء ، ويرغبه في الشر والفساد عن طريق المغريات والمشوقات فهو شيطان رجيم وإبليس اللعين ، سواء أكان هذا الشيء المزين المضلل إنسانا أم مالا أم جاها أم كتابا أم صحيفة أم وسوسة وحديث نفس أم شيئا آخر يرى أو لا يرى ..
هذه هي صورة الشيطان التي انعكست في ذهننا ، ونحن نتابع ونتدبر آيات