(وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ). أرسل الله أنبياءه ورسله الى عباده مبشرين بثواب الله ، ومنذرين من عقابه ، وكان المجال أمامهم فسيحا وعريضا حين التبشير والانذار ، ولكن أبى أكثر الناس الا نفورا ، وقالوا لرسلهم : أموت ثم بعث ثم نشر؟. ان هذا الا أساطير الأولين .. حتى إذا وقفوا بين يدي الله وانكشف لهم الغطاء قالوا : ربنا أمهلنا بعض الوقت ، فنسمع ونطيع لك ولرسلك .. قالوا هذا حين فات الأوان.
وقد أمر الله نبيه محمدا (ص) ان ينذر المكذبين ، ويحذرهم من هذا اليوم الذي لا اقالة فيه ولا رجعة قبل ان يصلوا اليه ، وان يخبرهم بمآلهم لو أصروا على العناد ، وانهم سيقولون لله : أخّرنا قليلا لنستجيب لدعوة الرسل ، وقد أدى النبي رسالة ربه ، فأخبر وحذر ، ولكن غلبت عليهم المطامع والمنافع ، فكانوا من القوم الخاسرين.
(أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ). هذا الكلام بكامله يخاطب الله به غدا المكذبين الذين يقولون لله : أعدنا ثانية الى الدنيا لنتبع الرسل ، ومحصل ما يجيبهم به ، عظمت كلمته ، انه يسألهم سؤال توبيخ وتقريع : ألم تقسموا وأنتم في الحياة الدنيا انه لا انتقال من دار الدنيا الى دار الآخرة ، وانه لا جنة ولا نار .. يشير بهذا سبحانه الى ما حكاه عنهم في الآية ٣٨ من النحل : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ). وبعد هذا السؤال أو التوبيخ يقول سبحانه للمكذبين أيضا : لقد علمتم حال من كان قبلكم ، كيف أهلكناهم لما عتوا ، وأسكنّاكم مساكنهم ، وحذرناكم أن تفعلوا فعلهم ، وضربنا لكم بهم الأمثال ، فلم تتعظوا ، وتعتبروا .. والآن حيث لا رجعة ولا تأير تقولون : أخرنا قليلا! .. فأي منطق هذا؟ .. وهل أرسل الله إليكم من قبل رسل لعب وهزل ، حتى يعيدكم ثانية ، ويرسل إليكم رسل حق وجد؟ ..