حال من ضمير يؤخرهم ، ومثله مقنعي رؤوسهم ، وكذا جملة لا يرتد. والناس مفعول أول لأنذر ويوم مفعول ثان على حذف مضاف أي عذاب يوم ، ولا يجوز ان يكون يوم هنا ظرفا لأن الانذار لا يكون في يوم القيامة. ونجب مجزوم بجواب الطلب ، وهو أخرنا. وفاعل تبين محذوف أي تبين حالهم لكم. وكيف مفعول فعلنا بهم. وقال النحاة : ان كيف لا تكون إلا مفعولا أو حالا أو خبرا.
المعنى :
(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ). الظلم أنواع : فالكفر والشرك بالله ظلم ، والاعتداء على حق من حقوق الناس ظلم ، سواء أكان الحق ماديا أم أدبيا ، أيا كان المعتدى عليه بخاصة إذا كان ضعيفا ، لأن ظلم الضعيف أفحش الظلم ، ومن أعان ظالما أو رضي بفعله أو سكت عنه ، مع القدرة عليه أو على التشهير به فهو شريك له ، ومن أجل هذا لا يغفل سبحانه عما يعمل الظالمون.
وتكلمنا عن الظلم عند تفسير الآية ١٤٨ من سورة النساء ج ٢ ص ٤٧٩ ، ونعطف على ما قلناه هناك : ان الله سبحانه ما أرسل الرسل ، ولا أنزل الكتب إلا لمحاربة الظلم والظالمين .. وقد وصف الله نفسه في كتابه العزيز بأنه ذو انتقام ولولا الظلم لما كان لهذا الوصف عين ولا أثر ، ومهما امتد أمد الظالم فان الله سينتقم منه بأشد وأعظم ، قال الإمام (ع) : «سينتقم الله ممن ظلم مأكلا بمأكل ومشربا بمشرب» فمن ظلم إنسانا بكلمة واحدة كان جزاؤه مقامع من حديد ، فكيف بمن حول الأرض إلى جحيم ، وأقام في كل جزء منها قاعدة للموت ، ومخزنا لأسلحة الفناء والدمار؟.
(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ). أبصارهم شاخصة لا تغمض ولا تطرف من الدهشة والذهول .. ويسرعون في مشيهم ولا يلوون على شيء تلبية لدعوة الداعي ، رافعين رؤوسهم إلى السماء لا يرى واحدهم موطئ قدمه من الدهشة والذهول ، أما قلوبهم فهواء وخواء ، قد اذهب الرعب كل ما فيها من شعور وادراك .. وهكذا تجزى كل نفس بما كسبت.