وقوله تعالى : (كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) في معنى قوله : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) ـ ٩ الرعد». وقوله : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) ـ ٢ الفرقان». أي مراعى فيه كمية المواد والعناصر ، وكيفية الشكل والصورة ، والهدف الذي وجد من أجله ، ولو كان للصدفة والعشوائية شيء من الأثر في وجود الأشياء لما كان فيها هذا الأحكام والتدبير.
(وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ). ضمير فيها يعود الى الأرض ، والمعايش أسباب العيش من الزراعة والتجارة والصناعة ، أما العيش بالسلب والنهب والغش والاحتيال فهو من صنع الشيطان ، لا من جعل الله وخلقه.
(وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ). وكل حي في الأرض لسنا نحن له برازقين ولا مكلفين برزقه ، وانما الغرض من هذه الاشارة أن نعلم ان جميع الأحياء تعيش على رزق الله ، ولا حي يرزق حيا سواه إطلاقا ، حتى الأطفال الذين نعول ، والدواب والانعام التي نملك .. فإن رزقها جميعا على الله وحده ، لا على غيره.
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ). قال الرازي «اتفق المفسرون : على ان المراد بقوله : (مِنْ شَيْءٍ) هو المطر لأنه سبب الأرزاق والمعايش». والصحيح ان المراد من شيء في الآية المطر وغيره ، لأنها نكرة في سياق النفي ، ومعناها العموم ، تماما كما لو قلت : ما رأيت أحدا ، والمراد بالانزال العطاء ، وبالقدر المعلوم أسباب الرزق ، والمعنى ان الخير كله عند الله ، وهو يعطيه للعاملين المجدين ، لا للكسالى المخنثين : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) ـ ١٥ الملك». أنظر «هل الرزق صدفة أو قدر» في ج ٣ ص ١٣١.
(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ). الرياح توصف باللواقح لأنها تحمل السحاب الماطر ، فتلقح الشجر بما تنزل عليه من الأمطار ، والى هذا أشارت الآية ٥٧ من سورة الأعراف : «وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت ـ أي حملت ـ سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت». أنظر تفسير هذه الآية في ج ٣ ص ٣٤٢. وأيضا توصف الرياح باللواقح لأنها تنقل لقاح الأزهار الذكور الى الأزهار الإناث لتخرج الثمر والفواكه.