(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) المراد بالمتوسمين هنا العقلاء الذين يعتبرون وينتفعون بالعظات (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) ضمير انها يعود الى مدينة أو قرى لوط التي جعل الله عاليها سافلها. والسبيل الطريق ، والمقيم الموجود الثابت ، والمعنى ان آثار مدينة لوط التي أهلكها الله ما زالت قائمة الى عهد محمد (ص) والطريق اليها موجود ومسلوك يمر عليه الرائح والغادي ، ويشاهد الدمار والآثار .. قال المفسرون : كانت تعرف هذه المدينة باسم سدوم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ). أي ان المؤمنين بالله واليوم الآخر يعتقدون بأن ما حل بقوم لوط من العذاب كان جزاء على كفرهم وضلالهم ، أما الملحدون فيقولون : هي حوادث كونية ، وأسباب طبيعية.
(وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ). الأيكة الشجر الملتف الكثيف ، والمراد بأصحابها قوم شعيب .. بعد أن ذكر سبحانه هلاك قوم لوط أشار الى قوم شعيب وانه تعالى أهلكهم لكفرهم وتمردهم على الحق ، وسبق الكلام عن شعيب وقومه عند تفسير الآية ٨٥ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٥٥ ، ويأتي أيضا في سورة الشعراء (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ). ضمير منهم يعود الى أصحاب الايكة ، وهم قوم شعيب ، وضمير انهما يعود الى مدينة لوط وأصحاب الأيكة ، والمراد بالإمام هنا الطريق ، والمعنى ان الدلائل والآثار على هلاك مدينة لوط وبلد شعيب ما زالت قائمة ، والطريق اليها واضح يسلكه كل من أراد أن يشاهد آثار الهلاك والعذاب.
(وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ). أصحاب الحجر هم ثمود ، ونبيهم صالح صاحب الناقة ، والحجر اسم المكان الذي كانوا فيه ، وهم لم يكذبوا إلا رسولا واحدا هو صالح ، وانما قال سبحانه كذبوا المرسلين بصيغة الجمع لأن من كذب رسولا واحدا لله فقد كذّب جميع الرسل (وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) مع انها كافية وافية في الدلالة على الحق ، ولكنها لا تتفق مع أهوائهم وتقاليدهم الفاسدة (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ). وكانت السكنى في بيت حجر مع الامان من الغزو دليلا على الحضارة في ذاك العصر .. ومن جملة الآيات التي آتاهم الله على يد الرسل الناقة فعقروها وقالوا : يا صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من المرسلين (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) أي وقع عليهم العذاب وقت الصبح (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) وقع عليهم العذاب،