(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ). سمعوا ان لله ملائكة ، فتوهموها إناثا بل بناتا لله تعالى عما يصفون ، فأضافوا اليه ما يكرهونه لأنفسهم ، ولهم البنون الذين يحبون ، قال تعالى : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) ـ ٤٠ الاسراء». وفي بعض التفاسير ان العرب الذين اعتقدوا هذا هم خزاعة وكنانة.
(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ). هذا كناية عن شدة همه وحزنه بالبنت ، وتقول العرب لمن لقي مكروها : اسود وجهه. وعلى الرغم من ان هذه عادة جاهلية ، وقد ندد بها القرآن وسفّه أهلها ـ فإن كثيرا من المسلمين يكرهون البنات ، وتسود وجوههم إذا بشروا بالأنثى.
(يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ). كان الرجل في الجاهلية إذا ظهرت آثار الطلق بامرأته اختفى الى أن يعلم بالمولود ، فإن كان ذكرا ظهر وابتهج وان كان أنثى حزن ، وفكّر ما ذا يصنع بهذا المولود المشئوم : (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ)؟. فيبقيه متحملا المذلة والمهانة (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) حيا؟. ويروى ان بعض العرب كانوا يدفنون البنات وهن أحياء ، وبعضهم كانوا يرمونها من شاهق ، وآخرون يذبحونها ، ومنهم من كانوا يغرقونها ، إما للغيرة والحمية ، وإما خوفا من الفقر والاملاق كما أشارت الآية ١٥١ من سورة الأنعام : «ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم». أنظر ج ٣ ص ٢٧١ و ٢٨٣.
وروي ان رجلا قال : يا رسول الله : ما أجد حلاوة الإسلام منذ أسلمت ، فقد كانت لي في الجاهلية ابنة ، فأمرت امرأتي أن تزينها ، فأخرجتها إليّ ، فانتهيت بها الى واد بعيد القعر ، فألقيتها فيه ، فقالت : يا أبتي قتلتني ، فكلما ذكرت قولها لم ينفعني شيء ..
وقد يظن ان الدافع على هذه القسوة الجهل وتخلّف البيئة عن الحضارة والمدنية ، ولكن نحن الآن في عصر الفضاء ، ومع هذا يلقي المستعمرون والصهاينة قنابل النابالم في فيتنام وفلسطين على الشيوخ والأطفال والنساء .. يلقونها لا للغيرة والحمية ولا خوفا من الفقر والاملاق ، بل لزيادة الأرباح ، وتكديس الثروات وتراكمها ، فأي الفريقين أقبح وأسوأ؟ أهل الجاهلية ، أو المستعمرون والصهاينة في عصر