ووعيد لمن أشار سبحانه اليهم في الآية السابقة بقوله : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها). ووجه التهديد ان الله يجمع الناس غدا ، ويأتي بكل نبي يشهد على أمته أو لها ، ومتى شهد عليها يأخذ الله بقوله وشهادته ، ولا يؤذن لها بالرد والاعتذار ، قال تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) ـ ٣٥ المرسلات. (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ). المراد بالاستعتاب طلب الرضا ، والمعنى لا يطلب من المشركين أن يسترضوا الله بقول أو فعل ، لأن الآخرة دار حساب وجزاء لا دار أعمال واسترضاء.
(وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ). المراد بالذين ظلموا كل ظالم ، سوا أظلم خالقه بالجحود أو الشرك ، أم ظلم غيره بالاعتداء ، أم ظلم نفسه بتعرضها للتهلكة ، فإنه يعذب على ظلمه وذنبه جزاء وفاقا بلا زيادة أو نقصان ، وبلا تأخير أيضا.
(وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ). ضمير ألقوا يعود الى آلهة المشركين ، وضمير اليهم يعود الى المشركين أنفسهم ، وتدل الآية بظاهرها على ان الله يحشر معبود المشركين صنما كان أو غيره لالقاء الحجة على من اتخذه إلها ، وان المشركين حين يرون آلهتهم التي كانوا يعبدون يقولون لله : هؤلاء الذين كنّا ندعوهم شركاء لك ، وان الآلهة ترد عليهم بلسان الحال أو بلسان المقال : انكم أيها المشركون لكاذبون ومفترون في جعلنا شركاء لله. وغير بعيد أن تكون هذه الحكاية لقول المشركين وآلهتهم كناية عن تكشف الحقائق غدا ، وانه لا مجال للكذب والتدليس.
(وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ). ضمير ألقوا يعود الى المشركين وآلهتهم وانهم يستسلمون وينقادون لأمره تعالى (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ). وكل مفتر في هذه الحياة تعود عليه مفترياتهم بالخزي والعذاب في اليوم العصيب.
(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ). فسدوا بكفرهم بالحق ، وأفسدوا بصدهم الغير عن الحق ، فاستحقوا عقابين : أحدهما على الفساد والثاني على الإفساد : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) ـ ١٢ العنكبوت».