والمنغصات .. إذا احلولى منها جانب أمرّ منها جانب ، أما المنفعة الاخروية فخالصة من كل شائبة.
(وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). ان الدعوة الى الحق ، والثبات عليه وعليها يستدعيان الأذى من المبطلين بطبيعة الحال .. فمن صبر على البلاء في سبيل الحق ، وثبت على جهاد أعدائه الى النهاية أثابه الله ثواب الصابرين المجاهدين.
وتسأل : ان قوله تعالى : (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). ان قوله هذا يومئ الى انه تعالى يجزي الصابرين بالثواب على أحسن أعمالهم ، أما أعمالهم الحسنة والسيئة فإنه لا يجزيهم عليها بشيء ، فهل هذا المعنى هو المراد من الآية؟.
الجواب : ان أعمال الإنسان تنقسم الى طاعات واجبة ومستحبة ، ومعاص ، ومباحات ، وليس من شك ان أحسنها الطاعات ، وأقبحها المعاصي ، والله سبحانه يثيب الصابرين على جميع ما يفعلونه من الطاعات ، ومنها الصبر في طاعة الله ، وهو أفضلها وأشرفها ، أما المباحات فلا يستحق فاعلها ثوابا ولا عقابا .. فالمراد بأحسن ما كانوا يعملون الطاعات بشتى صورها وأشكالها ، وليس المراد الصبر فقط. أجل ، ان الله سبحانه صرح بأنه يجزي الصابرين على حسناتهم ، وسكت عن سيئاتهم ، وفي هذا السكوت وعد أو شبه وعد بأنه تعالى يغفرها برحمته وفضله.
(مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). في هذه الآية جهات :
١ ـ لقد دلت على ان كلا من الذكر والأنثى يقاس بعمله عند الله ، وانه لا فضل للرجل على المرأة إلا بالتقوى ، فان اتقت هي وأطاعت ، وعصى هو ولم يتق فهي خير منه وأكرم عند الله .. وتقدم الكلام عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية ٢٢٨ من سورة البقرة بعنوان : «بين الرجل والمرأة» ج ١ ص ٣٤٣.
٢ ـ دلت الآية أيضا على ان الايمان مع العمل الصالح سبب للأجر والثواب ، أما أحدهما دون الآخر فلا يستحق صاحبه الثواب .. ولكن الجمع بين هذه الآية ، وبين قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) يقتضي ان الله سبحانه يعوض على الكافر المحسن بالصحة أو المال أو الجاه أو طول العمر في الدنيا ،