دَخَلاً بَيْنَكُمْ). وقال في الآية ٩٤ ، وهي التي نفسرها : (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ). فما هو الغرض من هذا التكرار؟. هل هو التأكيد والاهتمام بالوفاء ، أو هناك غرض آخر؟.
نقل الرازي عن المفسرين ان الله سبحانه نهى أولا عن نقض اليمين الناس أجمعين ، دون أن يقصد جماعة معينين ، ثم نهى جماعة بالخصوص ، وهم الذين بايعوا محمدا (ص) على الإسلام.
وهذا التفصيل بعيد عن مدلول الآيات ، لأن النهي فيها عن نقض اليمين ورد مطلقا غير مقيد ببيعة أو بغيرها .. والأولى في الجواب ان تكرار النهي هنا انما ساغ وحسن ، لأن الله سبحانه عقّب بعد كل نهي بجملة أفادت معنى جديدا ، فقال بعد النهي الأول : (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) فذكّر بقوله هذا الحالفين بأنهم جعلوا الله ضامنا للوفاء بايمانهم ، فعليهم أن لا ينكثوا ، والا فقد خانوا الله بالذات .. وقال بعد النهي الثاني : «انما يبلوكم به» وهذا تذكير للحالفين أيضا بأنه يمتحنهم ويختبرهم ليستحقوا الثواب الذي يريده لهم. وقال بعد النهي الثالث : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) وهذا تهديد ووعيد لمن ترك الحق الى الباطل والهدى الى الضلال.
(وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ). كل من صدّ عن سبيل الله والحق وجب ردعه بالوعظ والإرشاد أولا ، فإن تاب وأناب فذاك والا وجب جهاده وساغ أسره وقتله ، هذا في الدنيا ، أما في الآخره فله عذاب عظيم.
(وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) عهد الله هو الالتزام بالحق والعمل به ، ومنه الوفاء بالعهد واليمين ، والمراد بالثمن القليل المنفعة الدنيوية ، وان كثرت ، والمعنى لا تؤثروا منافعكم الخاصة على الحق ، فتبيعوه بالمال أو الجاه أو بأي متاع من هذه الحياة ، فإن الدنيا بما فيها ليست بشيء في جنب ما أعده الله للمطيعين والمحسنين (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ) من المنافع الدنيوية بالغة ما بلغت كيفا وكما (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الفرق البعيد بين المنفعة الأخروية والدنيوية ، ثم بيّن سبحانه وجه الفرق بينهما بقوله : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ). وليس من شك ان الدائم أفضل وأشرف من الزائل .. وفوق هذا فإن المنفعة الدنيوية ترافقها الآلام