المراد من قوله : «وإذا بدلنا آية مكان آية». وكان المشركون ، حين يرون هذا التبديل ، يقولون لمحمد (ص) : انك تفعل ذلك من تلقاء نفسك ، وتنسبه الى الله كذبا وافتراء ، والله سبحانه يعلم بأنه هو الذي أنزل هذا التبديل على رسوله الصادق الأمين ، ويعلم انهم هم المفترون بقولهم للرسول الأعظم : «انما انت مفتر».
وأوضح تفسير قرأته لهذه الآية ما روي عن ابن عباس انه إذا نزلت آية في شدة ، ثم نزلت آية ألين منها قال كفار قريش : ان محمدا يسخر بأصحابه ، اليوم يأمر بأمر ، وغدا ينهى عنه ، وانه لا يقول هذه الأشياء الا من عند نفسه ، فأنزل الله تعالى : وإذا بدلنا آية مكان آية الخ. وتكلمنا عن النسخ عند تفسير الآية ١٠٦ من سورة البقرة ج ١ ص ١٦٩.
(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ). روح القدس هو جبريل ، وسمي بذلك لأنه نزل بالقدس ، وهو القرآن من عند الله على محمد (ص).
ونظير هذه قوله تعالى في الآية ٨٩ من هذه السورة : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ). وذكرت الآية هنا للرد على المشركين الذين نسبوا التبديل إلى النبي ، وذكرت هناك بمناسبة قوله تعالى ما معناه ان الله يوم القيامة يبعث من كل أمة شهيدا ، ويبعث محمدا ليشهد على أمته انه قد بلغها القرآن الذي هو تبيان لكل شيء.
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ). اتهم المشركون محمدا (ص) بأنه تعلم القرآن من غيره ، ونسبه الى الله كذبا وافتراء .. وليس من شك ان هذا من حرب الدعايات الكاذبة يعلنها المفسدون في الأرض على مصلح يثور عليهم وعلى فسادهم وافسادهم .. وقد تطورت اليوم أساليب الدعايات ضد المخلصين والمصلحين ، وبلغت النهاية في الدقة والأحكام ، حتى انخدع بها كثير من الأبرياء الأصفياء.
(لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ). هذا رد لقول المشركين عن محمد (ص) : «انما يعلمه بشر» ، ويظهر من هذا الرد انهم أضافوا التعليم الى رجل معين ، وان هذا الرجل كان أعجميا يعجز عن الإفصاح