الْآخِرَةِ) ذلك اشارة الى غضب الله وعذابه ، واستحبوا آثروا ، والمعنى ان الله سبحانه يطرد الكافرين من رحمته ، ويعذبهم بناره لأنهم آثروا الحياة وزينتها على الآخرة ونعيمها.
وقوله تعالى : ذلك بأنهم استحبوا الخ. صريح في ان العلة لعذابهم وغضب الله عليهم هي استحبابهم الدنيا على الآخرة ، ومعنى هذا ان كل من آثر الهوى على الحق ، والعاجلة على الآجلة فهو عند الله مثل الكافر والمشرك من حيث استحقاقه الغضب من الله والعذاب.
(وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) بمعنى انه لا يعتبرهم مهتدين بعد ان استحبوا الكفر على الايمان بطبيعة الحال. وأيضا لا يهديهم بمعنى انه لا يثيبهم .. وليس من شك انه قد هداهم بمعنى انه أقام لهم الأدلة الكافية الوافية على وجوده ونبوة أنبيائه : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) ـ ١٦ فصلت».
(أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ). تقدم نظيره مع التفسير في سورة البقرة الآية ٦.
(لا جَرَمَ) لا شك (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ). ولا خسران أعظم من غضب الله وعذابه.
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ). بعد ان ذكر سبحانه حكم من آمن في الواقع ، وكفر في الظاهر مكرها ، بعد هذا ذكر هنا من كان قد آمن برسول الله ، ولكنه بقي بمكة ولم يهاجر معه الى المدينة ، وأعطى المشركين بعض ما أرادوا منه ، ثم تاب وهاجر وجاهد بين يدي رسول الله ، وصبر على جهاد المشركين والفاسدين ، وقد بيّن سبحانه حكم هذا بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ). وضمير بعدها يعود الى فعلتهم التي يدل عليها السياق ، أو الى توبتهم مع الهجرة والجهاد والصبر.
وفي كثير من التفاسير ان هذه الآية نزلت في جماعة من أصحاب رسول الله (ص) كانوا قد تخلفوا بمكة ، ولم يهاجروا مع رسول الله ، فاشتد المشركون عليهم ، حتى فتن البعض منهم عن دينه ، وجاروا المشركين ، ثم ندموا ، وخافوا ان لا تقبل لهم توبة ، فأنزل الله هذه الآية.
(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها). المراد بالنفس الأولى الإنسان ،