بالقبول ، وما هو جدير بالرفض .. ولو انه (ص) واجههم بكذبهم ونفاقهم ، وعاملهم بما يستحقون من العقوبة لكان شرا لهم ، ولقالوا : فظ غليظ .. لقد عابوه فيما يعود عليهم بالخير والنفع ، وهنا مكان الغرابة .. لكن اللئيم لا يكثر عليه شيء ، لأنه ينظر الى كل شيء بمرآة نفسه السوداء ، حتى الى من يحسن اليه .. وصدق الذي قال :
من تكن نفسه بغير جمال |
|
لا يرى في الوجود شيئا جميلا |
(قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) هذا رد من الله على أولئك المنافقين ، ويتلخص الرد بأن النبي اذن خير ، لا اذن شر .. يقبل منكم ما لا ضرر فيه على انسان ، ويرفض ما فيه الضرر ، كالغيبة والنميمة (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي يصدق الصادقين منهم تصديق تسليم واقتناع ، أما المنافقون فيصدقهم فيما لا ضرر فيه تصديق ملاطفة ومجاملة (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ). رحمة معطوف على اذن خير ، وهو من باب عطف العام على الخاص لأن اذن الخير رحمة أيضا (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) لأن من آذى رسول الله فقد آذى الله.
(يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ). كما يزعمون ، والضمير في يحلفون عائد إلى الذين قالوا : هو أذن. والخطاب في لكم وفي ليرضوكم للنبي والمؤمنين ، فلقد أخبرهم الله تعالى في هذه الآية ان المنافقين حين علموا باطلاعكم على ما قالوه في حق النبي (ص) خافوا منكم فالتجأوا إلى اليمين الكاذبة ليرضوكم ، وكان الأولى بهم أن يرضوا الله ورسوله بالتوبة والإخلاص. وفي الحديث من حلف على يمين ، وهو يعلم انه كاذب فقد بارز الله بالمحاربة .. وفي التعبير بيرضوه دون يرضوهما اشعار بأن إرضاء الرسول هو عين إرضاء الله ، كما أن ايذاءه عين إيذائه.
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ). يحادد أي يخالف. وهذه الآية تأكيد لقوله في الآية السابقة : والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم. قال الشيخ إسماعيل حقي في تفسيره روح البيان ، وهو يشرح هذه الآية :
«كل نبي أوذي بما لا يحيط به البيان ، وكان محمد (ص) أشدهم في ذلك كما قال: ما أوذي نبي مثل ما أوذيت. ولما كانت الاذية سبب التصفية كان