المعنى :
(يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ). لم يحذر المنافقون حقيقة وواقعا من نزول الوحي في شأنهم ، وإنما أظهروا الحذر على وجه الاستهزاء والسخرية .. كانوا يطعنون في النبي (ص) فقال بعضهم لبعض ساخرا : احذروا ان تنزل في شأنكم سورة .. والدليل على ان هذا هو المراد قوله تعالى مهددا : (قُلِ اسْتَهْزِؤُا). هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ان المنافقين لا يؤمنون بالوحي فكيف يحذرون منه على وجه الحقيقة؟.
وذهب أكثر المفسرين إلى أن الضمير في عليهم وفي تنبئهم يعود الى المؤمنين ، وان الضمير في قلوبهم يعود الى المنافقين.
ويلاحظ أولا : ان المؤمنين لم يرد لهم ذكر في الآية ، وان المذكورين فيها صراحة هم المنافقون ، كما ان الآية التي قبلها تحدثت عن المنافقين ، دون غيرهم .. ثانيا يلزم من هذا التفسير التفكيك بين الضمائر ، مع عدم الدليل على ذلك.
ومن أجل هذا نرجح الرأي القائل بأن الضمائر كلها تعود الى المنافقين ، وان على في (عليهم) بمعنى في كما هي في قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) أي في ملكه ، ومثلها أيضا فيما يقال : كان هذا على عهد مضى ، وعليه يكون المعنى يحذر المنافقون ـ تهكما ـ ان تنزل سورة تكشف عما يضمرون من العداء للإسلام والمسلمين. فتوعدهم الله سبحانه بأن السورة التي سخروا من نزولها نازلة لا محالة ، وانها تقابلهم وجها لوجه ، فيعتذرون حيث لا تنفعهم المعاذير.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ). تكلم قوم من المنافقين بما لا ينبغي في حق رسول الله (ص) ، ولما سألهم قالوا : كنا هازلين لا جادين .. واختلف المفسرون في أسماء من قالوا هذا ، ونوع ما قالوا .. والآية لا تشير الى شيء من ذلك ، ونحن نسكت عما سكت الله عنه (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ). ان قولهم : كنا نخوض ونلعب أقبح من الذنب الذي اعتذروا منه .. فهل الله جلت عظمته لعبة للتسلي والتلهي؟. وهل أرسل أنبياءه للسخرية