انه سيأتيكم انسان ينظر إليكم بعيني شيطان ، فإذا جاء فلا تكلّموا ، فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق ، فدعاه الرسول ، فقال له : علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فانطلق الرجل ، فجاء بأصحابه ، فحلفوا بالله ما قالوا ، فتجاوز عنهم ، فأنزل الله : يحلفون بالله ما قالوا الخ».
(وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ). هذا مثل قوله تعالى : (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) ومر تفسيره في الآية ٦٦ من هذه السورة.
(وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا). في تفسير الرازي والبحر المحيط والمنار والمراغي وغيره : ان جماعة من المنافقين اتفقوا على الفتك بالرسول ، فأخبره الله بذلك ، فاحترز منهم ، ولم يصلوا الى مقصودهم. وفي الجزء الثاني من كتاب «الأعيان» للسيد محمد الأمين :
«رجع رسول الله (ص) من تبوك الى المدينة ، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر به ناس من أصحابه ، فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق ، فأخبر رسول الله (ص) خبرهم».
(وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ). ضمير نقموا وأغناهم يعود الى المنافقين ، وقد كان كثير منهم في ضنك من العيش يقاسون مرارة البؤس والفقر قبل أن ينطقوا بكلمة الإسلام ، وبعد أن قالوها بأطراف ألسنتهم تدفقت عليهم الأرزاق ، لأن النبي (ص) كان يساويهم في الغنائم بسائر المسلمين ، ووفى ديون بعضهم ، فكان جزاؤه منهم ان قالوا عنه ما قالوا : ثم همّوا باغتياله .. فوبخهم سبحانه على عقوقهم وكفران النعم بهذا الأسلوب ، وهو مثل قولك لمن عقّك بعد إحسانك اليه : ما لي عندك ذنب الا الإحسان اليك.
(فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ). ان باب الله مفتوح على مصراعيه لكل طارق ، والسبيل اليه سهل يسير ، حتى على الكافرين والمنافقين ، لا يكلفهم سوى الاعتذار عما سلف ، والصدق فيما يأتي.
(وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أما عذابهم في الآخرة فمعلوم ، واما عذابهم في الدنيا فلأن المنافقين في خوف دائم ان يفتضح أمرهم ،