وسبعين قائم مقام المفعول المطلق ، لأن المعنى سبعين استغفارا.
المعنى :
(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ). اللمز العيب ، والمراد بالتطوع هنا بذل المال تفضلا لا وجوبا. وما زال الحديث عن المنافقين ، وهاتان الآيتان تعرضان لونا آخر من آثامهم وأذاهم المتصل للنبي والمؤمنين .. في ذات يوم حث النبي (ص) على البذل في سبيل الله ، فاستجاب المؤمنون من صحابته ، وتطوع بعضهم بالآلاف. وبعضهم بصاع من تمر ، كل حسب طاقته ، فعابهم المنافقون ، وقالوا عن المكثر : انه يبذل رئاء ، وعن المقل : انه يذكّر بنفسه .. ان شأن المنافقين الرياء فيما يقولون ويفعلون ، فقاسوا الغير على أنفسهم ، ووصفوه بوحي من واقعهم.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) يشير الى الفقراء الدين تصدقوا بالقليل لأنه مبلغ طاقتهم (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) استخفافا بما بذلوه. ومن كلام الإمام علي (ع) : لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه. (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ومعنى سخرية الخالق جل وعلا انه يجازي الساخر بالعذاب الأليم على سخريته.
(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) سبعين مرة كناية عن الكثرة ، وما زال العرب يبالغون بالسبعة والسبعين. وقال قائل : ان الله سبحانه ترك الخيار للتنبيه في ان يستغفر للمنافقين أو لا يستغفر لهم لأن (أو) في الآية للتخيير بزعمه .. وهذا اشتباه ، فإن قوله تعالى : (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) دليل قاطع على انه لا سبيل لهم الى العفو والمغفرة. وعليه تكون (أو) للتسوية .. وفي رواية ان الله سبحانه حين أنزل في المنافقين (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ) طلبوا من النبي أن يستغفر لهم ، فأنزل الله عليه (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).
وتسأل : ان الله يحب التوابين ، ويغفر لهم ذنوبهم مهما عظمت ، فما هو السر في قوله : (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ)؟.