لقد أباح الله سبحانه لهؤلاء الأصناف الثلاثة أن يتخلفوا عن الجهاد (إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) بأن يكونوا مخلصين في إيمانهم قائمين ببقية ما عليهم من الواجبات ، كحراسة المدينة ، والمحافظة على عيال المجاهدين وأموالهم ، وما إلى ذلك.
(ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). وكل من قام بواجبه كاملا فهو محسن في نظر الإسلام أيا كان نوع الواجب ، وكل من أخل به فهو مسيء. وقد أسقط الله الجهاد عن المرضى والفقراء ، فإن قاموا بما عليهم من الواجبات الأخر فهم محسنون ، وليس لأحد عليهم من طريق لمؤاخذتهم. وقد اتخذ الفقهاء من هذه الآية أصلا شرعيا فرعوا عليه كثيرا من الأحكام ، منها إذا استودع انسان مالا عند غيره ، فتلف المال فلا يضمن الوديع إلا إذا قصّر في حفظ المال أو تعدى عليه ، ومنها ان الحاكم الجامع للشروط إذا أخطأ في الحكم فلا شيء عليه إذا كان قد بذل الجهد لمعرفة الحق ، ومنها إذا رأى انسان مال غيره معرضا للهلاك المؤكد ، بحيث إذا تركه لم يبق منه شيء ، فأتلف بعضه بقصد ان يسلم البعض الآخر لصاحب المال ، إذا كان كذلك فلا يضمن المتلف شيئا في مثل هذه الحال ، لأنه محسن ، وما على المحسنين من سبيل ، إلى غير ذلك من الأحكام.
(وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ). اتفق الرواة والمفسرون على ان هذه الآية نزلت في جماعة من المسلمين أتوا النبي (ص) وهو يتهيأ لغزوة تبوك ، وقالوا له : يا رسول الله لا نملك راحلة للذهاب معك الى الجهاد ، وطلبوا منه مركبا يحملهم. فقال : لا أجد ما أحملكم عليه ، فسحّت أعينهم بالدمع لحرمانهم من الجهاد بين يدي الرسول الأعظم (ص) .. ثم اختلف المفسرون في أسماء هؤلاء وعددهم .. وليس ذلك بالشيء المهم ، ما دامت الآية واضحة الدلالة على الواقعة ، ولا قائل بنفيها.
وتسأل : ان هؤلاء يدخلون في صنف الفقراء المشار اليهم بقوله تعالى : (وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ) فما الفائدة من الاعادة؟.
وأجاب بعض المفسرين بأن الفقراء لا يجدون مأكلا ولا محملا ، والبكاؤون يجدون المأكل دون المحمل .. وقد تكون الفائدة التنويه بصدق البكائين وإخلاصهم ومكانتهم عند الله .. وعلى أية حال ، فإن الله سبحانه نفى المسئولية عن كل