واستأذنه في التخلف ، وهذا الصنف هم المعنيون بقوله تعالى : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ). الصنف الثاني : قعدوا كاذبين على الله ورسوله ، واليهم أشار بقوله: (وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ). وتقسيم المتخلفين إلى معذرين وكاذبين يدل على ان المراد بالمعذرين من تخلف لعذر صحيح ، ولذا سكت الله عن المعذرين ، ولم يهددهم بالعذاب الأليم ، كما هدد الكاذبين بقوله : (سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
وتسأل : ان سياق الآية يقتضي حذف (منهم) لأن الكاذبين على الله ورسوله كلهم كافرون ، لا بعضهم؟.
وأجاب الرازي بأنه تعالى كان عالما ان البعض منهم سيؤمن ، ويتخلص من العقاب ، فذكر لفظة (من) للدلالة على التبعيض .. والذي نراه نحن في الجواب : ان الذين قعدوا كاذبين على الله ورسوله على صنفين : منهم من كذبوا في اعتذارهم طلبا للراحة وفرارا من أعباء الجهاد ، مع إيمانهم بالله ورسوله ظاهرا وباطنا ، وهؤلاء ليسوا بكافرين بل متهاونين. وصنف اعتذروا مع إنكارهم باطنا نبوة محمد (ص). وهؤلاء كافرون مستحقون للخلود في العذاب. فجاءت كلمة منهم للدلالة على ان الكافرين هم الذين تخلفوا منكرين الرسالة ، دون الذين تخلفوا تهاونا ، لا جحودا.
(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ). استنفر النبي (ص) الناس للجهاد ، فبادر اليه قوم ، وتخلف آخرون ، ومن هؤلاء المنافقون والكاذبون على الله ورسوله ، وتقدم الحديث عنهم ، ويأتي أيضا ، ومنهم اصحاب الاعذار الحقيقية ، وهؤلاء لا أثم عليهم ولا لوم ، وهم ثلاثة أصناف :
١ ـ الضعفاء العاجزون عن القتال لشيخوخة ، أو لعلة في أصل تكوينهم ، كمن خلق ضعيفا في بدنه لا يطيق القتال بحال.
٢ ـ المرضى ، والفرق بين المريض والضعيف ان علة المريض غير ملازمة لخلقه وتكوينه ، مع العلم بأن كلا منهما يجوز إطلاقه على الآخر.
٣ ـ الفقراء الذين لا يجدون النفقة ولا من يضمنها لهم .. فإن وجود مثل هؤلاء بين المقاتلين يخلق لهم مشكلة تعوقهم عن بلوغ الهدف المطلوب.