شيء مما تعتذرون ، لأن الله قد أوحى إليّ بما تخفي صدوركم من الشر والنفاق (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) أي لا نقبل اعتذاركم ، حتى تثبتوا ـ فيما سيأتي ـ بالأفعال لا بالأقوال انكم صادقون في نواياكم وأهدافكم ، ومخلصون في الإيمان بالله ورسوله ، كما تزعمون.
(ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). الغيب ما غاب علمه عن غير الله ، والشهادة ما نعرفه ونشاهده. والمعنى انكم ستقفون غدا بين يدي الله الذي لا تخفى عليه خافية ، فيخبركم بأعمالكم ، ويجازيكم عليها ، ان خيرا فخير ، وان شرا فشر.
(سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ) أي رجعتم من غزوة تبوك (لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) المراد بالإعراض هنا السكوت عن نفاقهم وعدم توبيخهم عليه (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) والمراد بهذا الإعراض إهمالهم احتقارا وازدراء ، وفي بعض الروايات ان النبي أمر المسلمين أن يقاطعوهم ، ثم بيّن سبحانه علة إهمالهم واحتقارهم بقوله : (إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) الرجس القذر ، وفي الحديث : أحكم الناس من فر من جهال الناس. وفي حديث آخر : إياكم ومجالسة الموتى. فقيل : من هم يا رسول الله؟ قال : كل ضال عن الايمان ، جائر عن الأحكام.
(يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) حلفوا أولا ـ كما في الآية السابقة ـ طلبا للصفح وعدم مؤاخذتهم على الذنب ، كما دل قوله : (لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ). وحلفوا ثانية طلبا للرضا وحسن المعاملة ، كما جاء في هذه الآية (لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) .. ومن علامات المنافق كثرة الحلف لشعوره بأنه متهم بالكذب : (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ـ ١٤ المجادلة». ثم خاطب تعالى المؤمنين بقوله :
(فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ). هذا التلطف في النهي أبلغ الاساليب على الإطلاق (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) .. ان رضا المؤمن من رضا الله ، والله لا يرضى عن الفاسقين ، فكيف يرضى المؤمن عنهم؟ ومن ادعى الايمان بالله ، وهو راض على من غضب الله عليه فإنه منافق .. ما في ذلك ريب.