٥١ ابراهيم». وروى البخاري في الجزء التاسع من صحيحه ، كتاب الفتن : «ان رسول الله (ص) يقول يوم القيامة : أي ربي أصحابي .. فيقول له : لا تدري ما أحدثوا بعدك .. فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي».
وليس من شك ان للسابق في الهجرة والنصرة الافضلية على اللاحق ، ولكن هذا شيء ، والسماح له بالمعصية ، أو عدم الحساب عليها شيء آخر.
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ). ذكر سبحانه المنافقين في العديد من الآيات ، وذكرهم هنا لمناسبة ذكر المؤمنين السابقين واللاحقين ، وليخبر نبيه الأكرم بمكانهم وموطنهم : وانهم محيطون به من كل جانب ، فهم موجودون في المدينة التي يقيم فيها ، وفي البادية التي حولها ، وان منافقي المدينة بوجه خاص قد مهروا في فن النفاق ، وأتقنوه الى أن استطاعوا التكتم به عن الرسول رغم ملازمتهم له ، ومخالطته لهم.
ثم بيّن سبحانه جزاء المنافقين بقوله : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ). وهذا العذاب الأخير الذي يردون اليه معروف ، وهو عذاب جهنم ، أما نوع العذاب وزمنه في المرة الاولى والثانية قبل عذاب جهنم ـ فلم تشر اليه الآية .. وغير بعيد أن يكون العذاب في المرة الأولى عند الموت لقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) ـ ٥٠ الانفال». أما العذاب في المرة الثانية فهو عذاب القبر للأحاديث الكثيرة : ان قبر الكافر حفرة من حفر جهنم ، وقبر المؤمن روضة من رياض الجنة.
(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً). وهؤلاء هم المؤمنون الذين يحسنون أحيانا بدافع من ايمانهم ، ويتغلب الهوى حينا على ايمانهم ، فيسيئون ، وهم الأكثرية الغالبة «ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها» ولا ينتقل من خير الا الى خير .. الا من عصم ربك.
ثم بيّن سبحانه حكم هؤلاء بقوله : (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) لأنهم شعروا بالخطيئة ، واعترفوا بها ، فأصبحوا بذلك محل الرجاء لرحمة الله وغفرانه (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). وفي مجمع البيان : «قال المفسرون : عسى من الله واجبة ،