شك ان المراد السبق في الهجرة والنصرة ، لان الوصف يشعر بهما ، ولكن الله سبحانه لم يحدد زمن هذا السبق ، ولذا اختلف المفسرون ، فمن قائل : ان المراد الهجرة والنصرة قبل يوم بدر ، وقائل : قبل بيعة الرضوان ، وهي التي حصلت تحت الشجرة يوم الحديبية ، وقال ثالث : من صلى القبلتين .. والذي نراه ان المراد بالسابقين الأولين من سبق في الهجرة والنصرة قبل ان يملك المسلمون القوة الرادعة لمن يعتدي عليهم ، ويفتن ضعيفهم عن دينه ، كما كان يفعل المشركون في بدء الدعوة ، وعلى هذا يكون القول الاول هو الراجح ، لان قوة المسلمين انما ظهرت يوم بدر ، وفيه أحس المشركون بمناعة الإسلام وبأسه.
٢ ـ (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) وهم كل من سار على طريق السابقين المخلصين. قال الطبرسي : «يدخل في ذلك من يجيء بعدهم الى يوم القيامة». وقد جاء تحديد التابعين بإحسان في الآية ١٠ من سورة الحشر : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ). ونرجو ان يتعظ بهذه الآية من يدعون الايمان ، وهم غارقون في غل التحاسد الى الآذان.
وهذان الصنفان : السابقون ، والتابعون (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) رضي الله عنهم بطاعتهم وإخلاصهم ورضوا عنه بما أفاض عليهم من نعمه (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) اي لا فوز بالمعنى الصحيح الا بمرضاة الله.
وتسأل : الظاهر من الآية ان مجرد السبق الى الهجرة والنصرة كاف واف في رضوان الله ، وانه حسنة لا تضر معه سيئة ، فهل هذا الظاهر حجة ملزمة ، بحيث يجب علينا ان نقدس كل من سبق الى الهجرة والنصرة ، حتى ولو ثبتت عليه المعصية.
الجواب : ان المراد بالسابقين الأولين من أقام على طاعة الله ، ومات على سنة رسول الله (ص) ، أما من عصى وأساء بعد السبق فلا تشمله مرضاة الله ، كيف؟ وهو القائل : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ـ) ١٢٢ النساء». والقائل : (لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ـ)