بقول مالك حتى في الجمعة ، وبذلك يظهر ان ما نسبه الى أكثر العامة من موافقة الأصحاب في ما ذكره ليس في محله وكان ينبغي أن يقول : أجمع أصحابنا خلافا لأكثر العامة بل جميعهم. على ان ما ادعاه من إجماع أصحابنا على ما ذكره يرده ظاهر كلام العلامة في المختلف من قوله : والمشهور المنع من التباعد الكثير ، ويستند في ذلك الى العرف.
و (ثانيا) ان ما نسبه الى الشيخ في المبسوط من انه يظهر منه جواز البعد بثلاثمائة ذراع ليس في محله ، وهذه عبارته قال في المبسوط : وحد البعد ما جرت العادة بتسميته بعدا ، وحد قوم ذلك بثلاثمائة ذراع وقالوا على هذا ان وقف وبينه وبين الإمام ثلاثمائة ذراع ثم وقف آخر وبينه وبين هذا المأموم ثلاثمائة ذراع ثم على هذا الحساب والتقدير بالغا ما بلغوا صحت صلاتهم. قالوا وكذلك إذا اتصلت الصفوف في المسجد ثم اتصلت بالأسواق والدروب والدور بعد أن يشاهد بعضهم بعضا ويرى الأولون الإمام صحت صلاة الكل. وهذا قريب على مذهبنا ايضا. قال العلامة (قدسسره) ومراده بالقوم هنا بعض الجمهور لانه لا قول لعلمائنا في ذلك. انتهى. وهو جيد. وقد عرفت قول بعض الجمهور بذلك من ما نقلناه.
وقال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : يمكن أن يشير الى جميع ما تقدم فيكون رضى بالثلاثمائة ، ويمكن أن يشير بالقرب الى الفرض الأخير خاصة فلا يكون راجعا الى التقدير بثلاثمائة ذراع وهو الأنسب بقوله : وحد البعد ما جرت العادة بتسميته بعدا. وقال أبو الصلاح وابن زهرة لا يجوز أن يكون بين الصفين من المسافة ما لا يتخطى.
والى هذا القول مال جملة من أفاضل متأخري المتأخرين ، وهو الحق الحقيق بالاتباع لقوله عليهالسلام في صحيحة زرارة المتقدمة (١) «ان صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام ، وأى صف كان أهله يصلون بصلاة إمام
__________________
(١) ص ٩٥ و ٩٦.