فان قيل : انه يمكن حمل أخبار الإتمام على التقية لقول العامة بالإتمام كما تقدم قلنا : فيه انه وان قال العامة بالإتمام في مطلق السفر في الجملة وان كان مرجوحا إلا انه لا يتمشى في أخبار هذه الأماكن :
أما أولا ـ فلتصريح جملة منها بأن العلة في الإتمام إنما هو تحصيل الثواب بكثرة الصلاة في هذه الأماكن وانه من المخزون والمذخور ونحو ذلك من ما يدل على ان العلة في الإتمام إنما هو شرف هذه البقاع ، ولو كانت العلة في الإتمام إنما هي التقية لما كان لخروج هذا الكلام وجه بالكلية.
وأما ثانيا ـ فلما عرفت آنفا من أن كثرة الأسئلة عن هذه البقاع بأنه هل يصلى فيها تماما أو قصرا ـ مع معلومية وجوب القصر على المسافر ووجوب التمام على ناوي الإقامة ووجوب العمل بالتقية كيف اقتضته ، بل ربما صارت هذه المسائل من ضروريات مذهب أهل البيت عليهمالسلام ـ من ما لا وجه له ، وأى وجه اشكال وخفاء فيه حتى تكثر فيه السؤالات عنه؟ وأي خصوصية لتعلق هذه الأسئلة بهذه الأماكن وهي كغيرها من ما يجب على المسافر فيه التقصير والإتمام على ناوي الإقامة والعمل بما اقتضته التقية. وبذلك يظهر ان الأمر بالتمام إنما وقع من حيث شرف هذه البقاع.
وأما ثالثا ـ فلما عرفت في صحيحة على بن مهزيار من عمله على التمام مدة مديدة لما روى له فيه ثم عدوله الى التقصير لما أفتوه به ووقوعه بسبب ذلك في الضيق والحيرة حتى كتب الى الامام عليهالسلام ، وأي حيرة وضيق في الإتمام إذا نوى الإقامة أو اقتضته التقية؟ بل صريح اشارة الفقهاء عليه بالتقصير يومئذ ان إتمامه لم يكن عن نية إقامة ولا تقية كما لا يخفى على أدنى ذي فهم. ونحو ذلك ما تضمنته رواية على بن حديد.
وبالجملة فالحاذق البصير بل من له أدنى روية وفكر يسير لا يخفى عليه ان العلة في الإتمام في هذه الأخبار إنما هو شرف البقعة والوصول الى محل الزلفى والرفعة.
فإن قيل : المفهوم من صحيحة معاوية بن وهب وهي الرابعة والعشرون ان