ابن أمير المؤمنين مرّت به خيل ابن عمّه عبد الله بن يزيد ؛ فعبث بها وأصغره (١) فيها. وعبد الملك مطرق ، ثم رفع رأسه وقال : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً). فقال خالد : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً). فقال عبد الملك : أفى عبد الله تكلّمنى ؛ لقد دخل علىّ فما أقام لسانه لحنا؟ فقال خالد : أفعلى الوليد تعوّل؟ فقال عبد الملك : إن كان الوليد يلحن فإن أخاه سليمان. فقال خالد : إن كان عبد الله يلحن فإن أخاه خالد (٢). فقال له الوليد : اسكت ، فو الله ما تعدّ فى العير ولا فى النّفير (٣). فقال : اسمع يا أمير المؤمنين ، ثم أقبل عليه ، فقال : ويحك فمن للعير والنّفير غيرى؟ جدّى أبو سفيان صاحب العير ، وجدّى عتبة بن ربيعة صاحب النّفير (٤) ؛ ولكن لو قلت : غنيمات وحبيلات والطّائف ورحم الله عثمان قلنا صدقت.
وذلك أنّ النبى صلىاللهعليهوسلم طرد الحكم بن أبى العاص (٥) فصار إلى الطائف يرعى غنيمه ويأوى إلى حبلة ـ وهى الكرمة ـ ورحم الله عثمان ، أى لردّه إياه (٦). فهذا حذف بديع.
وكذلك قول عبد الملك : إن كان الوليد يلحن فإنّ أخاه سليمان. وقول خالد : إن كان عبد الله يلحن فإن أخاه خالد ، حذف حسن أيضا. ومثل هذا كثير فى كلامهم ، ولا وجه لاستيعابه.
__________________
(١) أصغره : جعله صغيرا.
(٢) فى ط : خالدا.
(٣) أصل العير : القافلة ، والنفير : القوم الذين يتقدمون فى القتال ، ويقولون لمن لا يستصلحونه : فلان لا فى العير ولا فى النفير.
(٤) يشير بذلك إلى عير قريش التى كانت مع أبى سفيان ، وعتبة كان قائد المشركين يوم بدر.
(٥) جد عبد الملك.
(٦) وقد أبى أبو بكر وعمر أن يرداه.