تعالى حكاية عن أهل سقر : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) [المدثر ـ ٤٤] ، وإنّ إهمالها وتضييعها وقطع تلك الرابطة التي بين العبد والباري يوجب ارتكاب المعاصي واتباع الشهوات ، قال تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم ـ ٥٩].
والصّلاة هي آية الإنسانية الكاملة لأنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر فتتحقق بها التخلية عن الرّذائل وتتجلّى فيها الفضائل فيكون المصلّي المحافظ عليها هو الإنسان الكامل الذي تتجلى فيه جميع الصّفات الحسنة.
والصلاة هي الرادع الباطني في الإنسان تمنعه عن ارتكاب الجرائم والآثام ، وتوقظ الضمير الإنساني فيردعه عن ركوب الشهوات وتضييع الحقوق فيعظم الحق ويكبر عليه تركه إلى غير ذلك من الصفات الحميدة والآثار الرفيعة التي لو أردنا ذكرها لما وسعه المقام.
وقوله تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) على إيجازها تكفي في الاهتداء إلى عالم النور العالم الذي يرى فيه الإنسان آثار أعماله بل يجد فيه حقيقة نفسه وفطرته ، ويلتذ بما يشاهد من مقامه الرفيع.
وهو يعم جميع أوامر الله جل جلاله وأحكامه المقدسة ويرشد إلى ترك نواهيه حتّى يصير الفرد من الله وإلى الله ، وتنهدم فيه الأهواء النفسانية ولا يبقى في نفسه سوى حبه جلّ شأنه وهذا الإطلاق موافق لإطلاق قول نبينا الأعظم «إنّما الأعمال بالنيّات» وتقتضيه أذواق المتألهين والعرفاء الشامخين ، ولعل أولياء الله تعالى وأحبّاءه اقتبسوا من هذه الآية الشريفة ما أبرزته قلوبهم عند مناجاتهم لخالقهم منها ما نسب إلى الحسين بن عليّ (عليهماالسلام) : «إلهي أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتّى لم يحبوا سواك ولم يلجؤا إلى غيرك ، وأنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم ، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم ، ماذا وجد من فقدك وما الذي فقد من وجدك». وما ذكره (عليهالسلام) من أهم آثار القيام لله من كل جهة قانتا له