قال تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [التوبة ـ ١١١] ، ومن المعلوم أنّ كلّا من المشتري وملكه وقدرته وأوصافه حتى صفة الاشتراء ترجع إليه تعالى بنحو الاقتضاء وجميع ذلك فضل منه عزوجل فهو تعالى يعرّف عباده قدرته ويحوطهم بألطافه ، ويجللهم برحمته ونعمائه ، ويرشدهم إلى مواعظه وأحكامه.
والفضل والجود والرحمة مفاهيم مختلفة وهي من صفاته الحسنى فإنّه تعالى جواد رحيم ذو الفضل ، فالمفاهيم وإن كانت مختلفة لكنّها متصادقة فيه عزوجل ، والفرق إنّما يكون بالاعتبار.
ولعلّ الفرق أنّ الرحمة والجود يعمّان جميع الموجودات ، والفضل يختص بالإنسان ، هذا إذا لوحظت الرحمة بالمعنى العام وأما إذا لوحظت بعنوان الرحمانية والرحيمية فقد تقدم الفرق بينهما في أول سورة الفاتحة.
وإنّ فضل الإنسان لا بد أن يرجع إلى كمال عقله العلمي والعملي وتأدبه بآداب الله وتخلّقه بمكارم الأخلاق فإنّه حينئذ يدوم بدوام الحيّ القيوم وما سوى ذلك كظلّ زائل ونجم آفل.
قوله تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ).
وضع الظاهر (النّاس) موضع المضمر لبيان أنّ الأكثر من جميع الناس لا الطائفة السابقة الذين أحياهم الله تعالى.
وهذه هي الأكثرية المذمومة في جملة من الآيات الشريفة الذين وصفهم عزوجل بأوصاف مختلفة قال تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الأنعام ـ ٣٧] ، وقال تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) [غافر ـ ٥٩] ، وقال تعالى : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) [الفرقان ـ ٥٠] ، إلى غير ذلك من الآيات.
وشكر الله واجب عقلي وما ورد في الآيات إرشاد إلى حكم العقل وإتمام الحجة ليصح الجزاء ثوابا على الفعل وعقابا على الترك.