التمتع بضروب الحياة فلا عذر بعد ذلك في ترك القتال ولا سبب عقليّ يتصوّر في الجبن والتولّي.
قوله تعالى : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ).
التولّي : هو ترك العمل بالتكاليف بلا عذر.
أي : فلما فرض عليهم القتال وبعث الملك لهم بسؤال النبي من الله تعالى أعرضوا وتخاذلوا وجبنت نفوسهم لما رأوا العدوّ وفترت عزائمهم الا قليلا منهم ثبتوا على ما عاهدوا عليه واستمرت عزائمهم على القتال في سبيل الله تعالى.
ويستفاد من هذه الآية : أنّ إشفاق النبي عليهم في المخالفة لأجل أنّهم كانوا أهل الدّعة والعيش الرغيد وقد طلبوا الحرب بعد أن ثارت في نفوسهم الحمية الوقتية وأنفت نفوسهم من الظلم ولم يكن عن عقيدة راسخة ، والتجربة تقضي بأنّ كلّ من كان كذلك يفتر عند الحرب وينقاد إلى الطبع حين الشدة. أو كان عن وحي من الله تعالى إليه بأنّهم سيتولّون عن القتال.
وكيف كان ففي الآية المباركة العبرة العظيمة والإرشاد إلى الثبات والاستقامة على العهد والذمام وعدم الاغترار بالنفس في هيجانها وحماسها ولكنّها في الواقع لم تكن مستعدة ولم يثبت العزم فيها وإلى ذلك يشير ما ورد عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «لا تتمنّوا لقاء العدوّ وسلوا الله العافية فإذا لقيتموه فاثبتوا».
قوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ).
أي : والله يعلم بالذين ظلموا من قبل ذلك ، والظلم ينطبق على التولّي عن أوامر الله تعالى وهو يوجب استحقاق العقاب عقلا ، فهذه الآية الشريفة تفيد قضية عقلية مشتملة على العلة والمعلول أي : يجازيهم على ظلمهم لأنّه تعالى عالم بصدور ذلك منهم باختيارهم فتمت الحجة عليهم باستحقاقهم العقاب ، وتسمّى مثل هذه القضية في علم الفلسفة بالقضايا التي قياساتها معها.