والأبناء حتّى بلغ بهم الأمر أن تيقظت فيهم روح العصبية فطلبوا من نبيهم أن يبعث فيهم ملكا يسيرون تحت لوائه ويقاتلون معه في سبيل الله ، ويستفاد ذلك ممّا ورد في التوراة أيضا كما يأتي في البحث التاريخي.
قوله تعالى : (قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا).
عسيتم ـ بفتح السين ـ وهي القراءة المشهورة وقرئ شاذا بالكسر.
والمراد بها في المقام : الإشفاق في المكروه أي : هل أتوقع منكم الجبن والتولّي في القتال إذا كتب عليكم.
ويستفاد من الآية الشريفة : أنّ الأمر ليس بيد النبيّ الذي طلبوا منه الملك ، بل أوكل الأمر إلى الله تعالى ولم يصرّح باسمه عزوجل تعظيما ، لأنّ ما أوجب سؤالهم وهو المخالفة كانت مرجوة منهم ولذا ورد الخطاب على نحو الاستفهام وفيه إيماء إلى تولّيهم عن القتال وإنكارهم بعد ذلك لما ذكروه وتعهدوا به وإتمام للحجة عليهم. والآية في كمال الفصاحة والبلاغة.
قوله تعالى : (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا).
أي : وما يمنعنا من القتال وقد أخرجنا من الوطن وبعدنا عن الأهل والأولاد ، والإخراج من الديار يوجب ذهاب الاستقلال والوهن في العزيمة والمنع عن التمتع بملاذ الدنيا فقد كنّى سبحانه وتعالى عن جميع ذلك بالإخراج.
وألّا : هي أن المصدرية ولا النافية كما ذكر في العلوم الأدبية.
وقد ذكر في الآية الشريفة سببان للقتال :
أولهما : كونه في سبيل الله وأنّه دفاع عن الحق والعقيدة وهذا أهمّ دافع في الجهاد.
الثاني : الظلم عليهم بإخراجهم من الديار والبعد عن الأولاد ومنعهم عن