أي : أنّ تلك الحوادث التي وقعت في القرون الماضية وما حكاه الله تعالى في هذه الآيات من إحيائه جلّت عظمته الموتى ، وسؤال الملإ من بني إسرائيل من نبيهم ما سألوه في أمر الملك والقتال مع الأعداء وابتلائهم بما قال لهم نبيهم ، وصيرورة طالوت ملكا عليهم وظهور التابوت وودائع النبوة وغلبة داود على جالوت ، وغلبة الفئة القليلة على الفئة الكثيرة ، وجعل الله داود ملكا وإعطائه الحكمة والعلم كلّ ذلك علامات علم الله وحكمته وقدرته تلاها للنبي (صلىاللهعليهوآله) بالحق لتكون دليلا على نبوته ورسالته وإنّ الإحاطة بها من الأمي الذي لم يكن مرتبطا مع أحد من أهل الكتاب مستحيلة عادة إلا بوحي من السّماء ولا ينزل وحي السّماء إلا على الرسل والأنبياء.
وقوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) في مقام التعليل لقوله تعالى : (نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ). كما أنّ قوله تعالى : (بِالْحَقِ) يبيّن معنى تلاوته جلّ شأنه.
يعني : إنّ تلك التلاوة حق وصدق لا مرية فيها فتكون تلاوته عزوجل بذاتها برهانا متقنا على حقية نبيه الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ، لأنّ الممكن لا يصل إلى حد الواجب بالذات وما من شؤونه إلا بنحو الإشارة. كما يقول أحدنا (أنا) مشيرا إلى نفسه وهو لا يعلم نفسه إلا بهذه الإشارة بل جميع العلماء مع نهاية جهدهم لم يحيطوا بها ، فإذا كان هذا حال الممكن المحتاج فكيف بالواجب الغني بالذات ، ويشهد لما قلناه كثير من الأدلة العقلية والنقلية تقدم بعضها ويأتي بعضها الآخر.
ولو عبّرنا عن ذلك بتجلّي الحق لنبيه الأعظم (صلىاللهعليهوآله) لا بأس به فإنّ تجلياته المباركة لا تختص بجهة دون أخرى فهو كما يريد ويشاء.
ثم إنّ ذكر رسالة نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) في آخر الآيات المتقدمة لبيان أنّ العلّة الغائية مقدمة في العلم وإن كانت متأخرة في الوجود الخارجي ، ويكون توطئة لذكر الرسل في الآية التالية ، وللإشارة إلى جلالة وعظمة رسالة نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله).