إبطال الاجتماع باستيلاء الفساد والشر دائما ولا يمكن دفعه بوجه من الوجوه ، وهذا خلاف الحكمة.
فالدفع والغلبة من فطريات كل ذي شعور وعليهما يتحقق الاجتماع الإنساني وهما يوقفان الفساد عند الأفراد وهذا من أهم القوانين التي بينها القرآن الكريم في النظام الاجتماعي للإنسان.
ثم إنّ الدفع والغلبة لهما مصاديق مختلفة فقد يتحقق كلّ منهما بغلبة المؤمن على الكافر المفسد كما في مورد الآية المباركة ، وقد تتحقق بدفع الله العذاب عن الأشرار والفجار بسبب الأبرار وفي ذلك وردت روايات خاصة عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ففي الحديث «إنّ الله يصلح ـ بصلاح الرجل المسلم ـ ولده وولد ولده ، وأهل دويرته ودويرات حوله ، ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم» وربما يتحقق بدفع الظالم بالظالم وتضعيف شوكته ليستعد المصلح ويتمكن من قهره والغلبة عليه. وربما يكون من إلقاء الله تعالى الخوف في نفوس المفسدين من صولة القوة وثورة النزاع وفوز الخصوم فيكون رادعا نوعيا في وقف الفساد وكبح جماح المفسد من الطغيان.
ويمكن تعميم دفع الله الناس بعضهم ببعض بمطلق الإرشاد إلى الحق سواء كان بالقول أو العمل أو العلم ، ويشمل جميع أنحاء الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مع تحقق الشرائط ، كلّ ذلك صحيح ولا بأس به بعد انطباق الآية المباركة عليه.
قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ).
أي : أنّ دفع الفساد في الأرض بدفع الناس بعضهم ببعض تفضل من الله تعالى ، والله ذو فضل على الخلق لأنّ في تركه مفسدة عظيمة وإخلالا بالحكمة وإبطالا للاجتماع كما عرفت.
٢٥٢ ـ قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).
التلاوة : عبارة عن القراءة المتتابعة فكلّ تلاوة قراءة ولا عكس.