وكيف كان فإنّ جميع تلك الجهات موجودة في نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) الذي جعله خاتما لما سبق وفاتحا لأبواب المعارف على اللاحقين وهو صاحب المعجزة الخالدة.
قوله تعالى : (مَنْ كَلَّمَ اللهُ).
في الآية المباركة التفات عن الضمير إلى الظاهر ، وعن الحضور إلى الغيبة تفخيما لهذه الدرجة والمنقبة وتعظيما لهذه الفضيلة ، ولأنّ التكليم إنّما يكون فضيلة عالية وخصلة سامية إذا كان مع عظيم ، فاكتساب الفضل والسّموّ ـ في المقام ـ بإضافته إلى الله عزوجل.
ومادة (كلم) تأتي بمعنى التأثير المدرك بإحدى الحاستين كالكلام بالسمع ، والجرح بالبصر ، فالكلام إظهار المراد ، ولا يعتبر في التأثير والإظهار أن يكون بالآلات الجسمانية ، لأنّ الألفاظ موضوعة للمعاني الأعم مما يمكن إحاطة العقل بها أو ما لا يمكن ذلك ، ولكن لو فرض أنّه أحاط بها لحكم عليه بالصدق والحقيقة ، وهذا وجداني فإنّه كم كانت من معان غير معقولة في غابر العصور إلا أنّها صارت معقولة ومحسوسة في عصرنا ، وسيأتي في البحث الفلسفي ما يتعلق بالكلام الإلهي.
والآية المباركة مجملة في المقام وتشرحها آية أخرى من أنّه كان مع موسى بن عمران (عليهالسلام) قال تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء ـ ١٦٤] ، وقال تعالى : (قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) [الأعراف ـ ١٤٤] ، وقد ورد في السنة الشريفة متواترا تكليم الله تعالى نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) بدون توسط جبرائيل كما في المعراج وغيره.
وقيل : إنّ المراد مطلق الوحي لأنّه تكليم خفي وقد اطلق عليه التكليم في قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الشورى ـ ٥١].
ولكن هذا الوجه لا يمكن المساعدة عليه فإنّ وحي الله وإن كان عاما