[النساء ـ ٩٥] وليس مثل قوله تعالى : (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) [الرعد ـ ٤] الذي يكون غير اختياري.
الثاني : أنّ تفضيل الله تعالى بعض الرسل على بعض يتضمّن رفع الدّرجات أيضا وعليه ربما يتوهم أن يكون ذكر الأخير ـ وهو قوله تعالى : (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) ـ مستدركا. وهو مردود بأنّ التفضيل إنّما هو باعتبار بعض الجهات ، ورفع الدّرجات إما عام أو مختص بالمقامات الاخروية.
الثالث : يستفاد من نسبة الاختلاف إلى الإنسان وعدم نسبته إلى الله تعالى أنّ الاختلاف في الإيمان والكفر وجميع المعارف الإلهية إنّما يكون من الإنسان وهو يحصل بالبغي والجحود والظلم ، ويدل على ذلك قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [البقرة ـ ٢١٣] ، وقد تقدّم في تفسيرها ما يرتبط بالمقام.
الرابع : يستفاد من الآية الشريفة أنّ الأنبياء (عليهمالسلام) إنّما بعثوا بالرسالة الإلهية وأيدوا بالبينات الواضحة التي تبين الحق وتدحض الباطل ، والغرض من ذلك هداية الإنسان وإيصاله إلى الكمال اللايق به ولكن ذلك لا يزيل العناد واللجاج بل هما من غرائز الإنسان التي لا يصلحهما الا القتال ، ويدل عليه قوله تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) [الحديد ـ ٢٥] ، حيث قرن سبحانه إنزال الحديد مع إنزال الكتاب والميزان وبهما يفصل بين الحق والباطل فيكون الحديد كذلك فالجهاد في سبيله تعالى مما لا بد منه في كلّ تشريع إلهيّ لإقامته وإبطال زيغ المبطلين ورفع عناد المعاندين. ولكن لو شاء الله لرفع الجهاد في سبيله وما اقتتلوا ولكنّ الله يفعل ما يريده فإنّ الحكمة اقتضت أن يرسل الرسل ويأمر بالجهاد في سبيله ، لإقامة دينه ونشر الحق