بين المجتمع والأفراد بعض الأمور التي لا يمكن التخلّي عنها ومن أهمّها الكلام والتكلّم بين الأفراد وهو الوسيلة التي يتحقق بها التفاهم بين أفراد الإنسان وإذا رجعنا إلى السّير الطبيعي التكاملي في هذا الأمر الاجتماعي نرى أنّ أقدم وسيلة لإبراز ما في الضمير هي الإشارة ثم تطوّرت وقرنت الإشارة بالصّوت للدلالة على المعنى المشار إليه ، ثم استقر التفاهم بالأصوات للدلالة على المعاني ونبذت الإشارة واستغني بالصّوت عنها ووضع لكلّ شيء صوتا معيّنا والكلام هو الأصوات الحلقية التي يتحقق بها التفاهم بين أفراد الإنسان ووسيلة للتعبير عمّا في الضّمير وضعا وكان لذكاء الإنسان الأثر الكبير في تنضيد الألفاظ وتنسيقها ووضعها بهذه الكيفية المعهودة ولأجل ذلك تعتبر اللغة أول مظهر من مظاهر الذكاء البشري ، ولا يمكن للإنسان الاستغناء عن الكلام وهو نتيجة تفاعل الأفراد المجتمعين للتفاهم فيما بينهم وكلّما اتسعت دائرة تفاهمه صارت عنده ألفاظ تدل على المعاني ، ولا تزال تزيد تلك الألفاظ واللغات تبعا لتقدم الاجتماع والاحتياج الإنساني.
ولأجل ذلك صار الإنسان يشعر بالحاجة إلى التفاهم عن بعد ، فوضع الخط والكتابة وهي أيضا مرّت بمراحل من الخط بالرسوم ثم الخط بالرموز ثم الخط بالحروف ثم اتسعت دائرة تفاهمه واحتياجه فوضع أنظمة أخرى كما في هذه الأعصار تبعا لكثرة احتياجاته الاجتماعية.
ومن ذلك يعرف : أنّ الكلام وليد التعاون الاجتماعي وهو الأصوات الحلقية المؤتلفة الدالة على المعاني بالوضع لأجل التفهيم بين أفراد الإنسان المجتمعين ، ولذلك يختص بالإنسان ، لأنّه اجتماعيّ كما تقدم وفي غيره الذي لا يحتاج في وجوده إلى التعاون الاجتماعي لا يعهد فيه الكلام الا على نحو المحاكاة التي هي فارغة عن الذكاء الخاص ولا يمكن التفاهم به وقد تقدم في قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة ـ ٣١] بعض القول.
ولكن هذا الكلام المبحوث عنه عند الإنسان لا يمكن صدوره عن الله تعالى ولا يصلح الانتساب إليه من جميع جوانبه لا من حيث أصله وحقيقته ولا من حيث صدوره ولا من جهة غايته فهو منزّه عن خروج الأصوات الحلقية