به قديم بقدمه واستشهدوا بقول الأخطل :
إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
وقالوا : إنّ هذا هو الكلام حقيقة الذي لا يختلف باختلاف العبارات والألفاظ ولا يتغيّر بتغيرها ، ويدل عليه اللفظ والإشارة والكتابة. وأنكر سائر الفلاسفة ذلك وأبطلوا الكلام النفسي واعتبروا المعاني النفسية صورة علمية وليست من الكلام بشيء ، فالكلام عندهم ليس إلا الأصوات والألفاظ التي تعبّر عن المعاني الذهنية التي هي صور علمية تصورية.
والبحث فيه يقع تارة : في مرحلة الثبوت والتصوير وأخرى : في مرحلة الإثبات ومقام الحجة والبرهان.
أما الأول : ـ فلا يعقل ثبوتا معنى للكلام النفسي ، لأنّهم يقولون في تعريفه : إنّه ليس من العلم ولا الإرادة بل هو شيء في مقابلهما قائم بالنفس حادث في الإنسان قديم في الله تعالى.
وفيه : أنّه لا تعقل صفة أخرى في النفس في مقابل العلم والإرادة حتّى تسمّى بالكلام النفسي وإن أرادوا مما يسمونه بالكلام النفسي في الله تعالى علمه الأزلي فلا مشاحة في الاصطلاح ولكن أكابرهم يصرّحون بالاختلاف ، فالكلام في اللغة والعرف والعقل يطلق حقيقة على تلك الأصوات الحلقية الدالة على المعاني ، كما عرفت. والمعاني في الذهن إنّما هي صور علمية ذهنية وهي غير الكلام النفسي.
قد يقال : إنّ الشيء الواحد قد يختلف باعتبارين فإنّ الصور الذهنية إنّما تكون علما وانكشافا للواقع من هذه الجهة وكلاما من جهة كونها علما مفاضا للغير.
وهو باطل لأنّ الصور العلمية هي نفس العلم وهم يصرحون بأنّ الكلام النفسي غير العلم. مع أنّ القول بالكلام النفسي بمعنى الصور الذهنية في الله تعالى يستلزم ثبوت تلك الصور الذهنية له عزوجل وتكثرها ، وكون علمه حصوليا ، واعتبار كلامه محتملا للصدق والكذب وغير ذلك ، ولا أظن أنّ