المصاحبة الدائرة بين أفراد الإنسان في هذه الدنيا كما في قوله تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ) [عبس ـ ٢٥] ، وإنّما أتى بالخلّة لبيان أنّها إذا لم يفد هذا النوع من المصاحبة فغيرها بطريق أولى.
الرابع : تدل الآية الشريفة على أنّ الدنيا دار عمل واكتساب والآخرة دار جزاء وثواب ويمكن أن يكون قول نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «الدنيا مزرعة الآخرة» مكتسبا من أمثال هذه الآية المباركة.
الخامس : الآية الشريفة ظاهرة في تبدل الصور الدنيوية إلى صور أخرى تناسبها في عالم الآخرة ، فإنّ البيع والخلّة والشفاعة التي كانت دائرة في هذه الدنيا ، فإنّ جميعها تتبدل إلى صور أخرى إما بما ينافيها إن كانت لغير الله تعالى ، أو بما هو أشرف منها إن كانت لله تعالى.
وتبدل الصور وانقلابها لا يختص بعالم الآخرة بل هي دائرة في هذه الدنيا ـ كما أثبته أكابر الفلاسفة (رحمهمالله تعالى) ـ وأنّ القصور والترتيب في العوالم ، إنّما هو بالنسبة إلى المدرك ـ بالكسر ـ لا في الواقع والحقيقة ، فإنّ عدم رؤية الأعمش إنّما هو لقصور في بصره لا لقصور في المبصر ، وهذا بحث علمي دقيق نتعرّض له في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
السادس : إنّما قال تبارك وتعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المستفاد من سياقه الحصر ، لأنّ الكفر بالله العظيم أو باليوم الآخر من أقوى وأغلظ الحجب بين النفس الإنسانية والمعارف المعنوية والكمالات الحقيقية ولا يرتفع هذا الحجاب القوي الشديد بأيّ رافع وفي أيّ عالم من العوالم التي ترد على الإنسان ما لم يرفعه عن نفسه باختياره الإيمان في هذا العالم ، فتركه باختياره ظلم لنفسه كذلك.
ويمكن أن يستأنس من هذه الآية المباركة وأمثالها بشارة إلهية وهي أنّ كل ما ورد في القرآن الكريم من الإيعاد على الظلم يراد به ترك الإيمان بالله تعالى ـ أي الكفر ـ باختياره بقرينة ما تواتر عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) عن الله تعالى : «كلمة لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن عذابي» اللهم ثبتنا في هذا الحصن العظيم واهدنا الصراط المستقيم.