سخط الله تعالى فإنّه لا تنفعه شفاعة الشافعين هذا مع أنّا اشترطنا في تحقق الشفاعة وجود أصل الإيمان في الجملة.
الثالثة : أنّ أقصى ما يستفاد من الأدلة الدالة على ثبوت الشفاعة هو إمكانها دون وقوعها بل إنّ في أصل دلالة العقل عليها منعا ، وأما النقل فإنّ ما ورد في الكتاب الكريم إما أن يدل على نفي الشفاعة مطلقا مثل قوله تعالى : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) [البقرة ـ ٢٥٥] ، أو يدل على نفي الأثر عنها مثل قوله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر ـ ٤٨] ، أو ما ورد فيه الاستثناء كقوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء ـ ٢٩] ، وقوله تعالى : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) [يونس ـ ٣] ، وقوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة ـ ٢٥٦] ، وجميع ذلك يرجع إلى النفي كما في أمثال ذلك مما ورد فيه الاستثناء بالمشية فإنّه يستعمل في القرآن في مقام النفي القطعي وهو كثير قال تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) [هود ـ ١٠٧] ، هذا حال القرآن الكريم. وأما السنة الشريفة فإنّه لا يمكن التعويل عليها أيضا مع أنّها لا تزيد على الكتاب الكريم دلالة.
والجواب عنها يظهر بعد الإحاطة بما ذكرناه في مفهوم الشفاعة ودلالة الأدلة التي أقيمت على ثبوتها ، وذكرنا أنّ الآيات المباركة النافية لمطلق الشفاعة أنّها تنفيها عند عدم المقتضي أو وجود المانع ولا يقول أحد بالشفاعة حينئذ وأما الشفاعة المطلوبة إنّما هي عند وجود شروطها أو أنّها تنفيها عن غيره تعالى.
وأما الآيات النافية لأثر الشفاعة فإنّما هي تنفيه في مورد خاص وهو خصوص المجرمين المنكرين للجزاء والدّين فهي في الواقع تثبت الشفاعة في غير المورد المنفي فيه أثر شفاعة الشافعين ، فالآية الشريفة على ثبوتها أدل.
وأما الآيات المشتملة على الاستثناء فهي واضحة في أنّها تدل على ثبوت الشفاعة لمن أذن له الرحمن والقول بأنّها تدل على مجرد الاستثناء الدال على النفي القطعي اجتهاد في مقابل النص الصريح وشبهة واهية لا يمكن