مع أنّه لو قلنا بأنّ الشفاعة هي الدعاء فقد دلّ الكتاب والسنة على أنّها مختصة بالله تعالى ولغيره بالإذن والارتضاء فليست هي كمطلق الدعاء من هذه الجهة وقد تقدم ما يرتبط بالدعاء في آية (١٨٦).
الثانية : أنّ القول بالشفاعة موجب لتجرّي الناس على المعاصي وإغراء لهم على المخالفة وارتكاب محارم الله تعالى وهو ينافي الغرض من بعث الأنبياء والمرسلين وهو سوق الناس إلى العبودية والطاعة فلا بد من تأويل ما ورد في الشفاعة لئلا توجب إغراء الناس بالفساد.
وهي مردودة أما أولا ـ فبالنقض بما ورد في شمول المغفرة والتوبة والرحمة قال تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف ـ ١٥٦] ، وقوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر ـ ٥٣] ، وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء ـ ٥١] ، وما ورد في الاستغفار وغير ذلك من الآيات المباركة والروايات الدالة على سعة رحمته وغفرانه فهل يتصوّر أحد في أنّها موجبة للتجري والتمرد؟!! فكلّ ما يقال فيها يقال في الشفاعة أيضا.
وأما ثانيا ـ فبأنّ الأدلة الدالة على ثبوت الشفاعة إنّما تدل عليها بالإهمال والإجمال فلم يعيّن فيها نوع الجرم الذي تجري فيه الشفاعة ولا المجرم الذي تناله الشفاعة بل كانت مبهمة من هذه الجهة بحيث تجعل الناس بين الخوف والرجاء ، فلا تكون موجبة للتجرّي والتمرد وهذا هو دأب القرآن في جعل الإنسان بين الخوف من ارتكاب المعاصي والتمرد على الأحكام والرجاء حذرا من القنوط واليأس من روح الله تعالى ، بل يمكن أن تكون الشفاعة بهذا النحو من موجبات الانقلاع عن المعصية ، ويدل على ما ذكرنا ما رواه حفص المؤذن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في رسالته لأحبائه : «واعلموا أنّه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه لا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا من دون ذلك من سرّه أن ينفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه» والمستفاد من هذه الرواية أنّ الإنسان لا بد أن يكون مراقبا لنفسه لئلا يقع في