الكتاب والسنة أنّ الشافعين في العباد متعددون وكثيرون ونتعرض لجملة منهم.
والشافع الحقيقي بالذات : هو الله تبارك وتعالى ، فهو في التكوين بمعنى جعل الأسباب على مقتضى الحكمة وفي التشريع العفو وإسقاط العقاب ، أو رفع الدرجات كما في جميع أسمائه المباركة الحسنى فإنّه تعالى هو الرزّاق والرّحيم والغفور والودود إلى غير ذلك ، وهي لا تنافي وجود الوساطة بل الوسائط في ظهورها للخلق ومظهرية الكلّ لها وهكذا بالنسبة إلى الشفاعة بمعنى الشافعية والشفيع في حقه عزوجل وعلى ذلك جرت مشيته المقدسة على انتظام النظام الأحسن بأسبابها قلّت أو كثرت ، فإنّ مبدأ الكلّ عنه ، ومرجع الكلّ إليه ، وحقيقة كلّ موجود تنطق بلسان الحال (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة ـ ١٥٦] ، ولكن لا نفقه هذا النطق وإن برز ذلك لمن علم الأسرار وارتفعت عنده الحجب والأستار ، ويدل على ذلك جملة من الأخبار ، ففي جملة من الدعوات المعتبرة «وأستشفع بك إلى نفسك» و «اللهم إنّي أستشفع بك إليك».
ومن أسمائه الحسنى : الشافع والشفيع وقال تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) [الزمر ـ ٤٤] ، فهو الشفيع المحض في الحقيقة وفي الحديث عن الرضا عن آبائه (عليهمالسلام) عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : «إذا كان يوم القيامة تجلّى الله عزوجل لعبده المؤمن فيوقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا ثم يغفر الله له لا يطلع الله له ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ويستر عليه ولا يطلع عليه أحد ثم يقول لسيئاته كوني حسنات».
وإذا تأملنا في حقيقة الشفاعة فيه جلّ جلاله فإنّها ترجع إلى رازقيته تعالى ، لأنّ الرازقية لا تختص بعالم دون عالم ولا بنوع خاص من الممكنات دون نوع بل هي تعم جميع ما سواه من مخلوقاته سواء المجردات والنفوس والماديات كلّ بحسبه وحياته كما يصف به نفسه قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) [الفاطر ـ ٤١] ، فإنّ هذا الإمساك ليس إمساكا خاصا ومن جهة