ويمكن أن يجعل لها جامع قريب فيما سواه أي : منشأ الفعل والإرادة فيشمل الجميع بل يشمل الحياة النباتية لصدور فعل النمو منها ولها نحو إرادة وإن كنا لا نفهم ذلك.
وأثبت أكابر الفلاسفة أنّ حقيقة الحياة تدور مدار حقيقة الوجود بحسب الأصل والاشتداد والتضعف وسائر الجهات فيكون أولى الحقائق بالوجود أولاها بالحياة ، وأشدّها وأعظمها بالنسبة إليه يكون كذلك بالنسبة إلى الحياة ، وكما أنّ الوجود يدرك مفهومه إجمالا ولا يمكن درك حقيقته ، كذلك الحياة ، فهما ككفتي الميزان في جملة من الجهات.
مفهومها من أبده الأشياء |
|
وكنهها في غاية الخفاء |
وكما لا مطمع للممكن في درك الذات الأقدس الرّبوبي كذلك لا مطمع له في درك حياته جلّت عظمته وهي عين ذاته فلا بد وأن تعرف الحياة فيه تعالى بمعنى عدمي أي : عدم الموت ، إذ لا يمكن الإحاطة بحقيقتها فيه تبارك وتعالى ، لفرض أنّها عين ذاته الأقدس ، فيلزمه جميع الكمالات الحاصلة من الحيّ فتكون بمنزلة الوجود.
فما كان وجوده وحياته منشأ كلّ شيء وحياته ، فيكون قيوم كلّ شيء لا محالة ، فتنحصر القيومية المطلقة فيه جلّت عظمته قيومية حقيقية واقعية إحاطية ، وما كان كذلك لا يعقل أن تأخذه سنة أو نوم. فهذه الآية الكريمة مترتبة ، فكلّ سابق بمنزلة العلّة للاحقه كما تقدم فالحياة المطلقة الذاتية ـ على ما ذكرناه ـ علّة للقيومية كذلك ، والقيومية المطلقة الذاتية علّة تامة لعدم تحقق السّنة والنوم والغفلة والفتور ، والجميع علّة تامة لسعة إحاطته وقدرته لجميع السّموات والأرض وما فيهما.
والكلّ معلول إرادته التامة حدوثا وبقاء ذاتا وصفة ، ومثل ذلك منحصر في الفرد وهو الله تعالى فهو العلي العظيم المنزه عن الند والشرك لا يجانسه أحد من مخلوقاته.