الظاهرية ، ولها مظاهر مختلفة في جميع العوالم وهي الصّراط المستقيم وسواء السبيل ، والحياة الأبدية في عالم الآخرة.
وإن شئت قلت : إنّها حياة عالم الغيب ظهرت في عالم الشهادة ليتمسك بها عباد الرحمن ويفوزوا بمراتب الجنان ، وهي الحبل الإلهي النوراني المتين ممدود من عالم النور إلى الظلمات ليستنقذ الناس من الهلكات ويلجم به الشيطان قبل أن يلجم الشيطان عباد الرحمن ، وجميع ذلك يشير إلى الحقيقة التي لا يمكن أن تدرك إلا بالعمل بها وحينئذ يشعر المتمسك بها بالتجلّي الإلهي على قلبه ، ويعترف بأن لا كمال فوق ذلك.
والقضية فطرية وجدانية فإنّ الإنسان لو خلّي وطبعه وزالت عن نفسه الحجب الظلمانية لاختار الكمال الحقيقي الدائمي الذي لا انفصام فيه على الكمال الزائل الفاني.
قوله تعالى : (لَا انْفِصامَ لَها).
مادة (فصم) تدل على الانقطاع والانقلاع وفي الحديث : «فينفصم عنه الوحي وإنّ جبينه ليتفصّد عرقا» أي : ينقطع عنه الوحي. والجملة في موضع الحال التي تؤكد مضمون الآية المتقدمة.
أي : إنّ الاستمساك بالعروة الوثقى التي هي الإيمان بالله والكفر بالطاغوت من أقوى العرى التي يؤمن عليها من الانقطاع وتتبعد عن حيرة الشك ووهن الحجة ولا يمكن أن يتصوّر فيها ذلك لإضافتها إلى الله عزوجل الحيّ القيوم وهي النور الذي يتجلّى للأنام ويرتفع به الظلام ، وما فيه الظلام يقبل الانفصام.
قوله تعالى : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
جملة تفيد الترغيب والترهيب أي : والله سميع للأقوال عليم بالنيات والأعمال ، وإنّما أتى عزوجل بهذين الاسمين ، لكون الإيمان والكفر مما يتعلق باللسان والجنان.