يقل : وأنا احيي وأميت أيضا ـ اعتقادا لنفسه الربوبية فادعى لنفسه ما وصف به إبراهيم (عليهالسلام) ربه ، وصرف الكلام عن وجهه إما عنادا ولجاجا ومكابرة أو أنّه بلغ في الانحطاط الفكري إلى المستوى الذي لا يميّز بين الحياة الحقيقية والموت كذلك وبين الإحياء والإماتة بالمعنى الذي أراده كما ذكرنا آنفا.
قوله تعالى : (قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ).
مقتضى السياق أنّ إبراهيم (عليهالسلام) لما أيس من هدايته وسد باب المصادرة ، كما فعل نمرود في الحجة الأولى وإثبات الربوبية لنفسه ذكر (عليهالسلام) : أنّك إذا تعتقد الربوبية وتصنع كما يصنع ربّي الله الذي له الالوهية والربوبية العظمى على ما سواه فإنّه تعالى يأتي بالشمس من المشرق فتصرّف أنت فيه فائت بالشمس من المغرب.
وإنّما عدل (عليهالسلام) عن الرّب إلى اسم الجلالة هنا لأنّ الربوبية قد صارت واضحة بإقامة الحجة عليها في المرة الاولى فالتفت الخليل (عليهالسلام) إلى أنّه تعالى معبود الكلّ كما أنّه ربّ الكل.
ولعلّ ذكر إبراهيم (عليهالسلام) الشمس لأنّها كانت من أعظم المعبودات عندهم فأراد (عليهالسلام) أنّ هذا النيّر العظيم الذي تقدّسونه وتحترمونه احترام الآلهة مسخر تحت إرادة الله تعالى. ومما ذكرنا يظهر الوجه في تفريع هذه الحجة على الحجة الاولى.
قوله تعالى : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ).
البهت : هو انقطاع الحجة وعدم القدرة على إقامتها فينقطع اللجاج والمحاجة لا محالة أي : فسكت نمرود الكافر بالله تعالى متحيّرا مدهوشا لا يقدر على الرد.
ولم يصرّح سبحانه باسمه تحقيرا ، ويمكن أن يراد به كلّ من كفر سواء كان نمرود أو من حضر في مجلسه.