ومادة (قري) تأتي بمعنى التجمع ، وسميت القرية قرية لتجمع الناس فيها ولها استعمالات كثيرة في القرآن الكريم مفردا وتثنية وجمعا قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف ـ ٩٦] ، وقال تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف ـ ٣١].
و «أو» حرف عطف وقد ذكر المفسرون وجوها في عطف هذه الآية ولكن الصحيح أنّها معطوفة على المعنى فإنّه لما بيّن سبحانه أنّ الاستمساك بالعروة الوثقى موجب لهداية الإنسان والخروج من الظلمات إلى النور عقب عزوجل ذلك بجملة من الأمثلة التي تبيّن طرق الهداية واستشهد ببعض قصص الأنبياء مع أممهم للإرشاد إلى أنّهم هم العروة الوثقى التي لا بد من التمسك بهم.
وقد تفنّن عزوجل في بيان القصص فذكر الاولى لبيان الاحتجاج على المعاد ، لمكان التلازم بين المبدإ والمعاد ثبوتا وإثباتا كما تقدم ، وأكد المعاد بذكر كيفية الحشر والنشر ، كما ورد في قصة إبراهيم (عليهالسلام) مع الطيور الأربعة ، لكثرة أهميّة المعاد واستبعاد الناس بأنّ عين البدن المحسوس في دار الغرور كيف يعاد في دار النشور ، مع تراكم الاستحالات الواردة عليه فكم من بدن صار ترابا ثم صار بدنا لإنسان آخر :
ربّ لحد قد صار لحدا مرارا |
|
ضاحك من تزاحم الأضداد |
ودفين على بقايا دفين |
|
من عهود الآباء والأجداد |
صاح هذي قبورنا تملأ الأرض |
|
فأين القبور من عهد عاد |
وذلك كلّه من كمال قهاريته تعالى وعلمه التام المتعلق بذرات الموجودات وجزئياتها حدوثا وبقاء ، فالتمييز لدى العلم الأزلي ثابت وإن تبادلت عليها الاستحالات الكثيرة في الدنيا والآخرة وما يحدث في كلّ منهما الصادر عن نظام العلم الأزلي المتعلّق بالموجودات تعلّقا خارجا عن تعقل الإنسان لقصور العقول عن دركه.