وإنّما ذكر سبحانه إبراهيم في الآية السابقة وأبهم اسم الذي مر على القرية واسمها والقوم الذين كانوا يسكنون فيها تعظيما لإبراهيم (عليهالسلام) وتشريفا له فإنّ لله عزوجل مع إبراهيم عنايات خاصة وله مع الله حالات.
ولأنّ الغرض هو بيان كيفية الهداية والموعظة ولا يحتاج إلى ذكر الأسماء بعد استيفاء الغرض من ضرب المثل ، أو لأنّ الإحياء بعد الإماتة من الأمور المستبعدة عند الناس والمستعظمة عندهم فاقتضى الحال أن يكون الكلام بلحن الاستهانة والاستصغار ، وهذا من ضروب الفصاحة والبلاغة في أنّه يؤتى بلحن الاستهانة في الموارد التي لا تخلو عن الاستعظام والاستبعاد.
وقد اختلف المفسرون في اسم القرية فقيل : إنّها بيت المقدس لما خربها بختنصّر البابلي ، وقيل : إنّها المؤتفكة ، وقيل : غير ذلك ، كما أنّهم اختلفوا في اسم الذي مرّ على القرية فقيل : إنّه عزير وهو المروي عن ابن عباس بعدّة طرق والمنسوب إلى عليّ (عليهالسلام). وقيل : إنّه أرميا وقيل : إنّه عزير ، وهو المروي عن الصادق (عليهالسلام) وقال به جمع من المفسرين. وقيل غير ذلك. وقال الزمخشري في الكشاف «إنّه رجل كافر» وهو مردود من جهات كما ستعرف ، وقال شيخنا البلاغي : «وقد كفانا ابن المنير في حاشيته مؤنة الرد لما استند إليه الكشاف في دعواه».
قوله تعالى : (قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها).
أنّى : أداة استفهام تأتي للبحث عن الحال والمكان وتتضمن معنى (كيف).
والمعنى : كيف يحيي الله تعالى هذه القرية وأهلها بعد موتها ، وسياق الكلام يدل على أنّ المشار إليه في (هذه) إنّما هي الأجساد البالية والعظام الرميمة وخراب القرية.
وإنّما قال ذلك استعظاما للإحياء لا استبعادا منه لقدرة الله تعالى ويدل عليه قوله تعالى في آخر الآية المباركة : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). ومثل هذا الكلام يصدر عن كلّ من ينظر في الأمور نظر تفحص وتمعن ويقف