في الإحياء بعد الموت في هذه الدنيا حتّى يتكلّف بالتصرف في معنى الآية المباركة. وقياس هذه القصة على قصة أصحاب الكهف أمر غير معقول حتّى عند القائلين بالقياس فإنّ دلالة الألفاظ لا يمكن أن تكون مورد القياس.
قوله تعالى : (قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).
اللبث والمكث بمعنى واحد أي : قال الله تعالى بعد بعثه وإحيائه بعد الموت : كم لبثت في موتك هذا؟ قال : لبثت يوما أو بعض يوم. والترديد باعتبار اختلاف وقت الموت ووقت الإحياء فظنّ تخلل الليلة بينهما. أو هو كناية عن عدم الإحساس بالمدة الطويلة.
قوله تعالى : (قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ).
أي : قال الله تعالى له : ما لبثت ذلك المقدار بل لبثت مائة عام. والغرض من السؤال إظهار عجزه وبيان المشية الإلهية التي تعلّقت بجعله مورد القدرة على إحياء الموتى.
والسؤال والجواب يدل على أدب القرآن المشتمل على مخاطبة الله تعالى مع خلقه وهي تدل على كمال العناية والرأفة ، وفيها تظهر العبودية مع المعبود الحقيقي على نحو ما يشاء المعبود ، وهي اللذة التي لا منتهى لها شدة وعدة ومدة.
قوله تعالى : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ).
أي : لم يتغيّر بتغير السنين ومرّ الأزمان. يعني لم يتغيّر الطعام والشراب في مائة سنة مع كونهما في معرض التغيير والاستحالة في عدة أيام.
وإنّما أمر بالنظر لاستبانة طول المدة ودفع ما يخطر بالبال من قصرها.
قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ).
بأن صار رميما تفرّقت عظامه وتقطعت أوصاله وبادت أجزاؤه كيف يحييه الله تعالى صحيحا سويا يصلح للركوب عليه. وفي تكرار الأمر بالنظر إيماء بانتقال الكلام إلى برهان آخر لتثبيت طول المدة.