قوله تعالى : (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ).
أي : إنّ ما جعلناه فيك من الموت والإحياء كلّ ذلك ليستدلّوا بها على ثبوت المعاد.
ويستفاد من سياق الكلام ـ أي عطف الغاية ـ أنّ الغاية من هذا الفعل لم تكن منحصرة في إظهار الآية لهذا الشخص فقط وإزالة التعجب عنه الذي أظهره في إحياء الموتى بل الغاية أيضا هي جعله علامة للناس يستدلّون بها على ثبوت المعاد وإظهار القدرة الأزلية الحاكمة على كلّ شيء فإنّ الذي يقدر على إحياء الموتى في هذه المدة لقادر على إحيائها بعد مدة أطول منها فلا تختص قدرته بزمان دون آخر.
قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً).
النشز : البروز والظهور ، والإذاعة ، والارتفاع والجميع يرجع إلى معنى واحد وهو الظهور وإنّما الاختلاف في المتعلّق.
أي : انظر إلى العظام كيف ترتفع ويجتمع بعضها مع بعض بالتركيب ثم نكسوها لحما لتصبح خلقا جديدا سويا.
والأمر بالنظر هنا لاستبانة ما قد يتوهم من استحالة عود الأجزاء إلى الصورة الأصلية بعد التغيّرات والتحوّلات الكثيرة ولذلك كان مورد النظر خاصا له من هذه الجهة وعاما من جهة أنّ إحياء الموتى والبعث يكون كذلك.
والظاهر أنّ المراد من العظام هي : عظام الموتى المجاورين له وعظام الحمار ، ولا ينافي ذلك جعله آية للناس ولم يجعل إحياء موتى أهل القرية آية ، فإنّ الظاهر أنّ الله تعالى جعله محور إثبات ذكر هذه الحكاية بلا فرق بين عظام موتى أهل القرية أو عظام خصوص الراكب والمركوب.
قوله تعالى : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
اعتراف منه بالعلم الثابت في نفسه قبل قوله : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) وإنّما قال ذلك استعظاما في نفسه وقد جعله الله آية للناس لإثبات