لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت ـ ٥٣].
الثالث : يستفاد من قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) أنّ هذه المحاجة وقعت بعد أن رباه الله تعالى وأوصله إلى مقام حق اليقين وعين اليقين فكانت بعد اصطفائه (عليهالسلام) لمقام الخلة وبعد كسر الأصنام وإراءته ملكوت السّموات والأرض وكان في بهت هذا الجبار بمثل هذا القول المختصر المختار سرّ ملكوتيّ إلهيّ وشروق نور غيبيّ إلى قلب أصفى من اللّجين وأحب الأنبياء من قرة عين.
ولعلّ الوجه أيضا في اختصاص الرب بالذكر دون غيره من الأسماء الحسنى والصّفات العليا أنّ المحاجة إنّما كانت في تدبير العالم وتربيته فكان نمرود يدعي ذلك لنفسه وإبراهيم (عليهالسلام) يثبته لله تعالى وينفيه عن غيره ، ولذلك استشهد ببعض الحوادث مثل إحياء الموتى وشروق الشمس.
الرابع : إنّما خص الشمس بالذكر لأجل أنّها كانت من جملة المعبودات عندهم كما يظهر من قصته (عليهالسلام) مع قومه في الرجوع إلى القمر والشمس ، ولبعد هذه الحجة عن التمويه والمغالطة كما فعل نمرود في الحجة الأولى ، ولأنّ إبراهيم (عليهالسلام) كان يعلم أنّ نمرود لا يسعه إنكار هذه الحجة والادعاء بأنّ ذلك من شأن الطبيعة العمياء وأن يقول بأنّ من يدعي الربوبية لنفسه لقادر على أن يتصرّف في الطبيعة فبهت في أول وهلة.
الخامس : يظهر من قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) أنّه ليس من المحالات الذاتية والا لما طلبه إبراهيم (عليهالسلام) لإمكان أن يدعي الخصم أنّه من المحال الذاتي ويدل عليه أيضا ما ورد في السنة المقدّسة في علائم ظهور رجل من ذرية خليل الرّحمن الذي يلف لواء ختم الوصاية وينشر لواء القسط والهداية أنّ الشمس تطلع من مغربها.
السادس : يستفاد من قوله تعالى : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) أنّ سبب طغيانه ودعواه أن رأى لنفسه الملك والسلطة والنفوذ الذي أنعمه الله عليه والا فليس له من دونه شأن يذكر ، ولذا لم يذكر الله تعالى اسمه تحقيرا له. هذا إذا رجع