رآها من الله تعالى فتكون المدة الطويلة بالنسبة إليها قصيرة كما في قوله تعالى في أحوال المحشر : (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ) [المؤمنون ـ ١١٣].
الحادي عشر : أنّ الوجه في تكرار كلمة (انْظُرْ) في الآية الشريفة : أنّ في كلّ واحد من الموارد الثلاثة غرضا خاصا وبرهانا معينا لا يكون في غيره ، فالأول لبيان دفع ما يتوهم من قصر المدة لما شاهده من عدم تغيّر الحال فأمره بالنظر إلى الطعام والشراب. والثاني لبيان طول المدة واستبانتها فأمره بالنظر إلى الحمار ، والثالث لبيان كيفية البعث والنشور فأمره بالنظر إلى نشر العظام وبعثها.
الثاني عشر : يدل قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها) على كمال قدرته على الموجودات وأنّ قدرته على إيجاد الروح تستلزم قدرته على جميع ما دون ذلك كما يظهر من قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون ـ ١٤] ، فيكون السّير التكاملي منطويا تحت الغاية وهي مقهورة تحت إرادته الكاملة فيكون الكلّ له ومنه وإليه لانطواء المشروط على الشرائط والكلّ على الأجزاء.
والآية تدل على وقوع الاستحالات والتبدلات على العظام فإنّه يظهر منها أنّ الجمع كان بعد الاندراس ، والتجدد بعد الانعدام والانطماس.
الثالث عشر : يصح أن يكون المراد من العظام في قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ) جنس العظام الشامل لعظام الموتى وعظام الحمار وعظام نفسه فيكون تعلّق الرّوح ببدنه متدرجا وليس ذلك من قدرة الله جلّت عظمته ببعيد. كما كان عدم تغيّر الطعام والشراب من قدرته تعالى فليس ذلك من المحال الذاتي حتّى تقتضي حكمته تعالى أن لا تتعلّق به قدرته عزوجل.
الرابع عشر : أنّ هذه الآية المباركة والتي بعدها تصوير خارجي لحقيقة المعاد التي صعب على الأفهام قبولها وأتعبت الأمم أنبياءها في الإذعان بها