المقام فأتى بالعدد ثم بالجمع ثم بالكثرة ثم بالضعف.
قوله تعالى : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ).
أي : والله يزيد زيادة كثيرة لا حدّ لها لمن يشاء من خلقه كما في قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة ـ ٢٤٥].
والمضاعفة أعم من أن تكون في الكمية أو الكيفية أو هما معا مثل ما أنفقه المنفق أو من غير مثله ، وتختلف اختلافا كثيرا بحسب الأفراد والخصوصيات.
وذكر بعض المفسرين أنّ هذه المضاعفة محدودة بسبعمائة. وهو مردود لأنّه خلاف ظاهر الآية الشريفة وتحديد في جوده وكرمه ، وإنّما يضاعف بحسب درجات الإخلاص في العمل والإقبال على الخير فإنّه الجواد الذي لا نهاية لجوده ، والغني المطلق الذي لا ينقصه البذل والعطاء كما قال تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد ـ ١٠] ، وقد يضاعف الجزاء بغير حساب قال تبارك وتعالى : (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) [البقرة ـ ٢١٢].
ويصح أن يراد بالعدد ـ أي السبعمائة ـ أنّه مقتضى لطف الله تعالى وعنايته على نحو الاقتضاء لو لم تكن موانع تمنع عن البركات وتوجب النقص والحرمان.
ولم يبيّن سبحانه وتعالى صفة من يضاعف له في هذه الآية الشريفة وإنّما ذكرها على الإجمال في آية أخرى ، قال عزوجل : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف ـ ٩٦] ، مع أنّ ذلك من أسرار القضاء والقدر التي لا يحيط بها غيره ، كما أنّه لم يقيّد عزوجل الجزاء بالدنيا أو الآخرة فهو يشملهما ، وهذا هو مقتضى سعة رحمته وجوده أيضا ، فإنّه يقبل اليسير ويعفو عن الكثير.