والمعنى : إنّ مثل المرائي في إنفاقه المنافق في عمله مثل ذلك الحجر الصلب الذي عليه التراب فإذا أصابه المطر الغزير أزال عنه ذلك التراب وجعله أملس ليس عليه شيء ، فتكون حقيقة المرائي كالحجر الصّلد الذي لا ينفعه كلّ ما هو سبب للحياة من المطر والتراب كذلك المرائي لا تنفعه الأعمال الصالحة والطاعات التي يتقرّب بها إلى الله تعالى وتجلب السعادة له فيكون بفعله قد سلب الاستعداد عن نفسه ، والا فإنّ الإنفاق في سبيل الله من الأسباب التي تجلب السعادة في الدارين ولكنّه رائى في فعله فسلب القابلية عن فعله.
وحقيقة هذا المثل إنّما هي شرح ما تكون عليه الدنيا والآخرة فإنّ الأولى هي دار كون وفساد ، وتبدّل وانقضاء وانصرام ، وبرق خاطف يبرق ثم يذهب ، لذتها حليف الألم ، وفرحها أليف الحزن والسقم ، بخلاف الثانية فإنّها دائمة بدوام الحيّ القيوم نعيمها لا يفنى وبركاتها لا تتناهى ، والإنسان مخيّر بينهما فإن اختار الدنيا فبئس الحليف وإن اختار الآخرة فنعم القرار ونعم المعين ، ولو دل مخلوق مخلوقا آخر على مثل ما أرشدنا الله جلّ جلاله من كشف الحقائق وبيان الدقائق لاستحق التعظيم والتجليل ، فكيف بما إذا أرشدنا الله تعالى إليه العالم بحقائق الأشياء والخالق للسّموات والأرض وما فيهما.
قوله تعالى : (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا).
الضمير في لا يقدرون راجع إلى من ينفق ماله رئاء الناس ، لأنّه في معنى الجمع والجملة بيان لوجه الشّبه بين المشبّه والمشبّه به أي لا ينتفعون بشيء من صدقاتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة فلا يقدرون على شيء من أعيان أموالهم التي أنفقوها ولا على شيء من الأجر والثواب فقد أبطلوا أعمالهم بالرياء فذهبت الأعيان وبقيت الحسرات.
قوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ).
الآية الشريفة في موضع التعليل : أي : إنّ المرائي كافر ، والله لا يهدي